.

.

الورقة الأخيرة

Monday, December 1, 2008


في غرفتها
وخلف مكتبها
جلست
فتحت أحد أدراجه
أخرجت منه أجندتها
تقلب فيها صفحاتها
صفحات غاب عنها لونها الأبيض
تحت وطأة وزحام اللون الأسود
لون خواطرها وبوحها وأحزانها
تبحث عن صفحات فارغة
أوراق بيضاء
لم تختلي بها من قبل ليفض بكارتها سن قلمها
فيقذف بمخزون ومكنون الصدر على سطحها
أوراق بيضاء
لم يتلوث نهرها بعد بلون مدادها ..لون همومها
فيذهب عنها نقاءها وصفائها وملائكية هدوءها
أوراق بيضاء
مازالت تسكنها شقشقات النهار
ونفوس نقية وأوكسجين
ولم يحدها أبعاد وسقف وجدار
خلفه شهيق سجين
وبعد جهد جهيد
في البحث والتفتيش
تتعثر في ورقة بيضاء يتيمة
أطرقت برأسها مرددة
ورقة واحدة فقط..!!
ورقة واحدة فقط..!!
إنها لاتكفي بما عندها
مدت يدها
أمسكت بقلم مُنهك ومُتعب
من كثرة وفيض بوحها
من شدة وثُقل كلماتها
من نزيف دائم لحروفها
فتدون...

أجندتي
ماذا أصابكِ
هل فقدت حبكِ لي
هل فقدت رفيقة ايامي
هل فقدت تعاطفك معي


أجندتي
ماذا أصابكِ
ماذا حل بأوراقك البيضاء الناصعة
أين ذهبت وأين أختفت
لم أعهد فيكِ بُخلاً ولا ضيقً ولا تبرمً
هل ضاقت صفحاتك بخواطري
تعلمين جيداً أن خواطري
لاتهوى السكن على أسطح صفحات الأخرين
فبين طياتها يختبئ الفضوليين والمُتلصصين
هل اختنقت سطورك بكلماتي
تعلمين جيداً أن كلماتي
تكره التسكع والنوم على سطور الغرباء والعوام
وأن تحاصر بين الأقواس وعلامات التعجب والإستفهام

أجندتي
أعرف انني
أرهقتك كثيراً ...
وأثقلت عليك كثيراً
وإستبحت لونك الأبيض كثيراً
بمداد قلمي وشدة ألمي
ولكن ماذا عساي أن أفعل
عندما تختنق خواطري
ويشتد بي شبق الفيض والبوح
عندما تختنق خواطري
وتتصارع بين ضرب وطرح
عندما تختنق خواطري
وتتحول الكلمة من حجر إلى صرح

أجندتي
علاقتي بكِ علاقة نفسية وعضوية
علاقة حميمية
لم يكن لغيرك
أن تنكشف عذاباتي وتُفشى أسراري
لم يكن لغيرك
أن تخرج أهاتي وتتعرى أفكاري


أجندتي
حينما أجلس أمامكِ
يتبدل حالي
أحطم أغلال أهاتي
أفك آسر كلماتي
أخرج عن صمتي
أعتلي عرشي
أسترد سلطاني
ولكن عندما تزهدين في خواطري
وتختفي المساحات البيضاء من نواظري
ويتبقى
منكِ ورقة واحدة
أصبح كأي واحدة
تفقد صوت بوحها
يتلوث موضع جرحها
تنفصل عنها روحها
يجف مِدادها
تُعلن حِدادها

أجندتي
أشعُر أنني
محاصرة في بقعة صغيرة
أقترب من نهاية الورقة الأخيرة
على مشارف حدودها الجنوبية
أكاد أن أصاب بحالة جنونية
ماتبقى من لونها الأبيض قليل
لايكفي لراحة البال أو شفي غليل
فمازال لدي الكثير لأطلعك عليه
سأبوح لكي بما حدث لي أمس
وإنتهاك جسدي من مسح ولمس
في غرفتي المظلمة
وانا في سريري نائمة
بين اليقظة والنوم
شعرت بأنفاس ثقيلة
وبشفاه ساخنة
تُقبل جسدي
من منبت رأسي
إلى أخمص قدميّ
شفاه ساخنة
كاد جسدي أن يشتعل ويحترق منها
وفي رحلة عودتها
تبدلت الشفاه
بيد ناعمة
أحسستها
بماء رقراق
ينساب في جدوله
يعرف طريقه جيداً
على خارطة جسدي
ولأنني بين اليقظة والنوم
عرفت أنه بدايات حُلم
ولاأخفيك سراً بمدى متعتي ونشوتي
فتمنيت أن يتغلب نومي على يقظتي
حتى لاينقطع الحُلم
كانت راحة اليد مازالت تمسح جسدي
وقد زادت من قوتها وضغطها
حتى شعرت بها وهي تتوغل فتصل لعرش أنوثتي
فانتفض جسدي في مكانه كبركان
يكاد أن يقذف بحممه دون غضب
هنا فقط أدركت أنني أشتعل ..أحترق بالفعل
فتمنيت أن يطول بي هذا الحلم
حتى نهاية الحريق
حتى تخمد ناره المشتعله
وما أن مددت يدي أتحسس تلك اليد
وهي مازالت على حالها بين جزر ومد
أتحسس هذا الوهم.. .. هذا الحُلم
لامستُها بيدي.. أمسكتُها .. أحكمت بقبضتي عليها
شعرت برغبتها في الإنسحاب والإنفلات
وعدم رغبتها في البقاء والسكون والثبات
هنا تغلبت يقظتي على نومي
زاد وعي .. تشنج جسدي
إنتبهت كل حواسي
هذا ليس بحلم ، هذه يد حقيقية ..أيقنت أنها يد حقيقية
انتفضت في فراشي وأنا في حالة فزع وصراخ ........
عفواً إنتهت المساحة البيضاء في ورقتها الأخيرة

حسن أرابيسك

خيط منفرد - قصة قصيرة

Wednesday, November 12, 2008




في الصباح 
تن..تن..تن..تن، دقات ساعة الحائط في غرفة نومها تعلن عن السادسة صباحاً، تتململ في فراشها، تزيح بيدها غطاءً قطنياً خفيفاً من فوقها تلقيه جانباً ، تطرد بقدميها ما تبقى من حوافه، ليكشف الغطاء عن جسد عاري مازال يحتفظ بجزء كبير من نضارته رغم تجاوز صاحبته العقد الرابع من عمرها بقليل ، تنفض عنها بقايا كسل من أثر السُبات وهي تحايل جسدها على النهوض، تجلس على حافة السرير ، ترتكز براحة كفيها عليه، إنحنت بجزعها قليلاً للأمام ، تدلت ساقيها إلى أسفل ، وضعت قدميها فوق سجادة مسجية على الأرض ، صوبت نظرها إليها، أطالت النظر، تتأمل خيوطها المغزولة وهي في حالة تجاور وتلاحم داخل نسيج السجادة ، ترى جمال الخيط في في تجاوره وترابطه وإندماجه ، فليس هناك أدنى جمال في شكل الخيط منفرداً وحيدا ً، تلك هي حياتها.. خيط منفرد ، غير مرتبط بخيوطً أخرى يندمج معها لتصبح حياتها قطعة من نسيج لها شكل ومعنى ، كم فكرت كثيراً في الخروج المبكر على المعاش ، ملت نمط حياتها الرتيب ، الاستيقاظ مبكراً، الطريق إلى العمل ، زملاء وزميلات العمل وإفتراس نظرات الرجال منهم لها كأرملة وحيدة ، النساء وحديثهم الدائم عن تربية الأبناء والمشاكل الزوجية ورغبات أزواجهم ، ومن باتت ليلتها في حسرة وهم ، ومن بُليت منهن بلاءً حسنا في ليلتها ، فكرة الخروج المبكرعلى المعاش تراودها كثيراً لكنها في كل مرة تطردها بعيدا، تخشى أن تقضي عليها الوحدة ، جو العمل برغم مافيه يؤنسها قليلاً ، جاراتها كُثر ..نعم كُثر لكن هن يتحفظن في علاقتهن معها ربما يخشين من وحدتها ومن جمال مازالت تحتفظ به، أقاربها قليلُ هم تناءوا عنها بحكم بُعد إقامتهم عنها وإنشغالهم بحياتهم ، الأخت الوحيدة لها هاجرت منذ سنوات طويلة تسمع صوتها عبر الهاتف مرتين أوثلاث على مدار العام فقط في المناسبات ، لم تعثر على صديقة تقترب منها تطمئن إليها ، لتبث وتفضي لها بكل ما اختزنته طوال سنوات عمرها وما فعلته بها تلك الوحدة القاتلة ، صديقة تواسيها وهي تشيع سنوات العمر التي تغافلها وتمضي مسرعة دون إستئذان منها ، صديقة تؤنسها وهي في استقبال سنوات موحشة قادمة إليها بدون كارت دعوة أو رغبة منها في إستضافتها ، صديقة تأتي وتطمئن عليها من وقت لأخر ، تأتمنها على نفسها ، تعطيها نسخة من مفتاح شقتها حتى إذا انقطعت عنها فجأة الأعمار بيدي الله ، لكن مجرد التفكير في ذلك يرعبها

بعد الظهر

تن..تن..تن..تن دقات الساعة المعلقة على حائط الصالة المقابل لباب الشقة تُعلن عن الثالثة بعد الظهر ، عادت من عملها ، يخترق مفتاحها ثقب الباب ، تعبُر عتبته بخُطى ثقيلة ، ترد الباب خلفها، تقف برهة ، تجول ببصرها ، تحدق بهم ، كل يوم هم في إستقبالها و إنتظارها ، سكون نائم ودائم ، فراغ متوغل وموحش ، جدران صماء وباردة ، وأثاث متقوقع على نفسه ، تطلق زفيراً طويلا ، تقذف بحذائها من قدميها ، تخلع عنها ثوبها ، تحل مشد صدرها تُبقي فقط على سروالها الداخلي ، تتجه صوب المطبخ ، تكتفي بقليل من الطعام أخرجته من البراد ، وبدقيقة لتسخينه داخل جهاز المايكروويف ، في منتصف المطبخ طاولة طعام صغيرة بين كرسيان متقابلان ، تجلس على إحداهُما ، بينما الأخر إعتاد أن يظل فارغاً ،على الطاولة طبق واحد ، وكوب واحد ، وملعقة واحدة ، تأكل بطريقة شبه آليه ، لم تعد تتذوق ما تأكله ، تنتهي من طعامها سريعا ، أصبحت تمل مضغ الطعام ، وعبر نافذة صغيرة للمطبخ تطل على المنور الداخلي للعمارة ، تصل إليها أصوات الجيران بين فواصل زمنية قصيرة
ياولاد تعالوا ساعدوني خدوا مني الأكل ..
ياأحمد أعملك معايا شاي ..
ياماما العصير فين ..
ثم صمت ..صمت ....تسترقى السمع..ولكن لا شئ غير الصمت تغادر المطبخ وقد إتئدت في مشيتها ، تدلف لغرفة نومها ، ترد الباب خلفها تغلقه.. تتركه مفتوحا ..سيان عندها، تنزع عن جسدها ماتبقى عليه ، تقف أمام مرآة مضببة الأطراف ، تتطلع لجسدها تتفحصه ترى هل فعل الزمن شئ جديد به.. ؟ تُلقي بنفسها على سريرها ..تتمدد على ظهرها ، تتشابك أصابع يديها العشرة خلف رأسها ، تحملق في سقف الغرفة ، تمر دقائق قليلة ، تستشعر به عند قدومه ، فتحل تشابك أصابعها ، تستدير على جانبها ، تضع وسادتها فوق وجهها ، أصبحت تلك عادتها عندما يأتيها ، هو الوحيد الذي يأتيها في غرفة نومها ، ويعرف تفاصيلها وتفاصيل جسدها ، يأتيها فتستسلم له .. ثم تذهب معه لتكسر بعض من الوقت والوحدة في يومها ، أصبحت تخشاه كثيراً في السنوات الأخيرة ، تخشى أن تذهب معه يوما ولا تعود ، ولكنها في النهاية تستسلم له..فتغط في نوم متقطع

في المساء
تن..تن..تن..تن، دقات ساعة الحائط تعلن عن السادسة مساءً ، وتحت مياه الدش الباردة العابرة على جسدها تقف لاتُحرك ساكناً حتى تفيق تماماً ، تنتهي من حمامها ، تضع على جسدها روب تعقد رباطه حول خصرها ، تمشط شعرها وقد تدلى على ظهرها مجتازاً خصرها النحيل فترسو نهايات أطرافه عند بدايات هذا الشق الفاصل بين أردافها المستديرة والثرية ، وفي غرفة المعيشة تجلس على كرسي مخملي ضخم أمامها طاولة يعلوها صينية خشبية مدت يدها داخل محيطها الدائري لتشعل موقد صغير وضعت فوقه كنكة بها مقدار من القهوة والماء يكفي لفنجان واحد من القهوة ، تُعد قهوتها كما إعتادت ، فنجان من القهوة السادة ، تلتقط علبة سجائرها تُخرج منها لفافة تبغ تُشعلها ، تنفث دخانها ، ترتشف من فنجانها بعض من القهوة ، وعبر قنوات جهاز التلفاز تتنقل من مسلسسل لأخر ، تمر الساعات ، تمل المشاهدة .. تغلقه ، تقف حائرة أمام مكتبة صغيرة لديها تضم مجموعة من الكتب القديمة والحديثة ، تلتقط رواية لأحلام مستنغامي "ذاكرة الجسد "قرأتها من قبل أكثر من مرة، تضع على عينيها نظارة طبية ، تقرأ وتقرأ وتقرأ

منتصف الليلتن..تن..تن..تن، دقات ساعة الحائط تعلن عن منتصف الليل ، في غرفة نومها و في ركن بعيد بجوار نافذة شبه مغلقة إختبأت وراءها عتمة الليل ، جلست على أريكتها ، يحتويها ضوء خافت لمصباح جانبي وقد عجز جسدها تحت غلالة شفافة وقصيرة أن يتوارى منه قوام ممشوق ، وبياض ناصع ، ولحم بض ، جلست تعتكف مع سنوات باهته من عمرها ، و في ركن أخر من الغرفة تعلق بصرها بسرير لم تهتز قوائمه مُنذ خمسة عشر عاماً ، مُنذ أن رحل عنها حبيبها..زوجها ، وهم على أعتاب حياة جديدة لهما معاً ، رحل عنها مبكراً ومرغماً ، رحل عنها قسراً وعن هذه الحياة كلها ، دون أن يترك في أحشائها إمتداد له يؤنسها في تلك الوحدة ، يصبح سندها بعد هذا العمر ، كثيرون تقدموا لها في ذلك الوقت للزواج منها لكنها رفضت أن تتأبط ذراع شخص أخر بعده في هذة الحياة، لذلك لم تُعطي الفرصة لأي رجل أن يقترب منها ، لم تحتمل بعد رحيله فكرة أن يحتويها رجل أخر بين ذراعية يقبلها في شفتيها يتحسس جسدها بيديه ، أنامله هو فقط كانت تعرف إتجاهاتها ومسالك دروبها المرئية والخفية ، تعرف مناطق إثارتها ومناطق راحتها ، رحمه الله وسامحه رحل عنها وقد تعلقت باصابعه مفاتيح ابواب أسوارها وأسرارها ، أبت أن يلامس فراش سريره جسد لرجل أخر فيطئ جسدها ، هو فقط كان يحق له ذلك ، هو الوحيد في حياتها الذي إمتلك صك الاقتراب والهمس واللمس وفعل كل ما يحلو له في جنته، دائماً ما حدثها بوشوشة وبهمس أثناء سمرهما معاً أو أثناء احتوائه لها بين ذراعيه يصف لها جمالها ، يُشبها بالمُهرة العربية الأصيلة في عذوبة طباعها وجمال تكوينها ورشاقتها وليونتها وطراوتها ،هي أيضا كانت تخبره أنه الخيال الذي لانت واستجابت له بعد أن كانت مثل فرسة برية جامحه ، فرسة عصية على الترويض ، شرسة لكل من تسول له نفسه بالاقتراب منها ، أما هو فلم يرضى عنها بديلاً وقد امتلك من الصبر وطول البال ليصل لمبتغاه إلى أقصى نقطه في قلبها ، لم ييأس ولم ينأى عنها لأنه عرف قدرها يخبرها أن الله أنعم عليه بها ، هو دائم الشكر لربه لأنه لم يأتي به في زمن أخر غير زمانها.... منذ وفاته وقد دأبت على إستدعاء كل الحسيات والمرئيات التي رافقتهما وجمعتهما وذابا فيها سوياً ، فتُحدث نفسها وتُشهدها بأنها لن تسمح لرجل أخر أن تتساقط حبات من عرقه على جسدها وعلى فراشه فتلوثه ، هذا الفراش ليس للرجال نصيبُ فيه أو حق ، انه لفارس ، فارس واحد فقط ، كان هذا الفراش له بمثابة ساحة شهدت له بكل بطولاته ومهارته ، يعرف متى يكون قاسياُ ومتى يكون حانياً متى يُسرع ومتى يبُطئ ، فارس يعرف كيف يسدد رمحه بمهارة فلا يخطئ هدفه ، كانت دائما معه راضية مرضية ، رحل الفارس ترك ساحة بطولاته خاليه خاوية إلا من أطلال يتردد بين جنباتها صدى صهيل فرسه وهي تناديه وتناجيه كل ليلة ، أثرت الوحدة بعده ، هل كانت على صواب في ذلك القرار أم لا..؟.. كل ماتعرفه الأن وبعد هذا العمر أن الوحدة شئ صعب في شباب المرء وشئ قاتل كلما إمتد به العمر ، تستدعي لحظات توحدا فيها وأنصهرا ، لحظات لم تنفلت منها في ذلك الزمن البعيد، اختزنتها وكأنها كانت تقرأ الغيب دون وعي منها فتدخرها لنفسها حتى إذا إشتد الحنين بروحها وفاضت منابع شوقها ..إستدعتها ، وها هي الأن تلبي دعوتها تلتف حولها ، تتخللها ، تجتاحها ، فتتمكن منها ، تستسلم لها، فتميل برأسها للخلف، تدلك براحة كفها بدايات عنقها ونهايات كتفيها ، تمرر أصابعها على صدرها ، تداعب حلمة ثديها المنتصبة ، تعتصرها بين السبابة والإبهام ، تتباعد ساقيها ، ينزلق كفها إلى اسفل بين فخذيها ، تستدعي لحظة ثمينة بعينها ، تضم شفتيها ، تطلق تأوهاتها ، ترتعش قليلاً..ثم تهدأ، وتسترخي أطرافها ، تدفع بيدها مصراعي النافذة للخارج ، يندفع بعض من النسيم البارد إلى الداخل ليرتمي على جسدها ، يداعب خصلة من شعرها تدلت على جبهتها ، تتناول كوبً خزفي كبير من فوق منضدة صغيرة أمامها ، تحتضنه براحتى كفيها معاً ، ترفعه على فمها ، تتجرع قسطاً كبيراً من مياة غازية تسبح بداخلها بقايا مكعبات ثلجية ، تلتقط راديو ترانزستورصغير بجانبها تدير مؤشر محطاته..تتوقف عملية البحث عند أغنية قديمة تعرفها جيداً لم تسمعها منذ زمن بعيد ، تغير وضع جلوسها تضع إحدى ساقيها أسفل فخذ ساقها الأخرى ، تُشعل سيجارتها ، مقدمة موسيقية وجمل موسيقية تتسلل إلى وجدانها كروح آتت إليها من عالم أخر كي تحوم حول تابوت السنوات التي سقطت منها داخله ، تعبث بغطاءه تحاول فتحه ، تنجح في ذلك ، ترفع غطاءه لتجد ضالتها ، جثة مسجية لسنوات عجاف خلت من صُحبة الرفيق وحنو الونيس ، ورقرقة الحبيب، وطراو ة كلماته، وألفة لفتاته ، ونسائم أنفاسه، وهمس شفاهه، وعذوبة رضابه ، ودفء حضنه، وأمان كتفه ، وونس خطوه ، فتنفخ فيها أشجان أنغامها وكلماتها لتُحييها وتُعذبها من جديد..يامالكَ القلبي
يا أسر الحبِ
النهر ظمأن لثغركَ العذبِ...........
يرتفع صدرها لأعلى ثم يهبط ليفُك أسر تنهيدة طويلة
أه من الأيام ..أه
لم تعط من يهوى مناه
مالي أحس أنني روح غريبُ في الحياة

تحتضر سيجارتها بين أصابعها فُتشعل من بقاياها السيجارة الأخيرة في عُلبة سجائرها ، ليبدأ سويا رحلة ِإحتراق جديدة ، تسحب نفسا عميقا ثم تطلق سراح دخانها الأبيض فتتبعه بحدقتيها وهو يسبح في الفراغ لأعلى مكوناً سحابة ضبابية لا يطول بقائُها فسرعان ما تتبدد وتتلاشى.. هكذا هي الحياة تراها في ذلك المشهد
قل لي إلى أين المسير
في ظلمة الدرب العسير
طالت لياليه بنا
والعمر لو تدري قصير
يافاتنَ عمري
هل انتهى أمري
أخاف أن أمشي في غربتي وحدي
في ظلمة الأسر

تهدلت جفونها ، سالت دمعة على خدها ، تبعها دمعتان ، سالت دموعها بغزارة تتسابق لتتساقط ، يختلط بكاؤها بنشيج تهتز معه أكتافها ، بعد قليل هدأ بُكاؤها..إختفى نشيجه، توقف بكاؤها تماماً ، تدلت رأسها فوق صدرها ، إسترخت أطرافها ، إنفلت من بين أصابعها عُقب السيجارة المحترق ، سكنت حركتها..سكنت
طالت لياليه بنا
والعمر لو تدري قصير

في الصباح
تن تن تن تن دقات الساعة في غرفة نومها تعلن عن السادسة صباحا .........................................................

تمت

حسن أرابيسك

لحظة

Tuesday, October 14, 2008



لحظة
أتت إليها
فأدركت أنها هي
لم تكن تهتم أن تأتي إليها
من هذا الزمن أو من زمن آخر
إنها لحظة في عمرها
ولكنها بعمرها

لحظة
أتت إليها
فأدركت أنها أصبحت قادرة
أن تُعيد فيها ترتيب أوراقها
أن تأخذ بالاسباب والدفوع في حكمها
أن تطلق رصاصة الرحمة على تجربتها



لحظة
أتت إليها
فأدركت أنها أصبحت قادرة
أن تقتل قلباً أسود تدفع عنه الدية
أن ترجع إمرأة بقلب صبية
أن تصدُق لخالقها القلب والنية


لحظة
أتت إليها
فأدركت أنها أصبحت قادرة
أن توحد داخلها كل أقطابها المتنافــرة
أن تُصلح بين كل إتجاهاتها المتناحـرة
أن تلملم أشلاء رحلة عمرها المتناثرة


لحظة
أتت إليها
فأدركت أنها أصبحت قادرة
أن تنير فيها أقمارها السوداء المعتمة
أن تُصحح منها كل مساراتها المتعرجة
أن تطلق العنان لإغنيتها المتحشرجة


لحظة
أتت إليها
فأدركت أنها أصبحت قادرة
أن تبني سفينتها قبل أن يفور التنور
ان تجتاز بها ألف مانع وألف سور
والا ترجع يوماً أبداً بقلب مكسور


لحظة
أتت إليها
فأدركت أنها أصبحت قادرة
أن تُلملم قصاصات عشقها المنثورة
أن تعيد فيها أطراف حبها المبتورة
أن تبتسم فيكون ثالثهما ابتسامة داخل صورة


لحظة
أتت إليها
فأدركت أنها أصبحت قادرة
أن تنحرعلى عتبته ذنوباً وخطايا
أن تؤمن بنفسها وتُهشم جميع المرايا
وأن تكتفي من عينية بأنها أجمل الصبايا


لحظة
أتت إليها
فأدركت أنها أصبحت قادرة
أن تجتث همومها من أقصى جذورها
ان تتقيأ أنهاراً من الملح جفت في عمرها
أن تقبل منه شراب عسله شبكتها ومهرها


لحظة
أتت إليها
فأدركت أنها أصبحت قادرة
أن تطرد الخجل خارج حجرتها
أن تزرع على شفاه من تحب قبلتها
أن تكون حلاله فتحل له عروتها


لحظة
أتت إليها
فأدركت أنها أصبحت قادرة
أن تتنفسه عبر مسام جلدها
أن تبني لطائره عُشً بين أفخاذها
أن تدعو له بطفل يأتي من رحمها

حسن أرابيسك

عروسة خشب

Tuesday, September 23, 2008







الظلام سيد المكان إلا من ضوء خافت تسلل عبر نافذة صغيرة لغرفة العرائس الخشب " عرائس الماريونيت " ليكشف عن وجه لعروسة خشب تتدلى في فراغ الغرفة المحيط بها ، وجه يحمل فم صغير وأنف دقيق وعينان واسعتان إمتلأ بحزن عميق يصاحبه حُلم يراودها كل ليلة أن يمتلك جسدها الصغير من القوة و القدرة على تحريك كل أجزاءه الخشبية دون وسيط ، أن يمتلك ذاتية حركته وقتما يشاء وفي أي إتجاه ، فتصبح يوماً خارج تلك النافذة بل خارج مبنى مسرح العرائس كله بعيدة ومتحرره من تلك الخيوط التي تتعلق فيها
وفي ليلة من أشد الليالي حزنا وألماً لها، رأسها منكسة لأسفل، نظرها صوب الأرض..تمنت لو تستطيع البكاء ولكنها كانت تعلم أنها عروسة خشب لاتملك من دموع البشر دمعة واحدة لكنها أصرت على البكاء ولو بغير دموع، ظلت ساعات ليلها على حالة الحزن التي أصابتها ورغبتها الشديد ة في البكاء ، وفجأة تنبهت..!! شعرت بشئ لم تعتاد عليه من قبل ، شعرت بشئ غريب يتدحرج على أحد خديها..!؟ إنها دمعة سقطت من إحدى عينيها.. لم تصدق في بادئ الأمر لكنها أيقنت أنها دمعة ... دمعة حقيقية ، هنا أدركت أنها كانت تبحث في الإتجاه الخاطئ ، كانت تبحث عن خلاصها في جسدها ، ولكن الليلة وفي هذة اللحظة تجلت لها الحقيقة، رُفع الحجاب عن سر خلاصها، تبدد الضباب الذي كان يقطع عليها طريقها ، فأيقنت وأمنت أن الإرادة أقوى بكثير من المادة، ،أن الإرادة هي السيد وأن المادة هي التابع، لذلك قررت بإرادتها هي وحدها أن ترفع إحدى ذراعيها لأعلى لتتحسس بكفها الصغير دمعتها التي مازالت عالقة على خدها..وببطء شديد نجحت في ذلك..وببطء اقل من سابقه نجحت في تحريك ورفع رأسها المنكس لأسفل إلى أعلى، وبالتتابع إستطاعت أن تُحرك جميع أعضاء جسدها الخشبي قطعة قطعة حتى إكتملت لها سيطرتها على كامل جسدها
نفضت عنها غبار أحزانها، بدأت في رسم تفاصيل تحقيق الحلم بعد أن أصبح قابل للتنفيذ متأهباً كنسر منتصباً على حافة النافذة يُخبط بجناحيه مستعداً للتحليق ، أو كعداء على عتبة باب غرفتها إتخذ وضع الإستعداد للإنطلاق، ،كانت تدرك أنها لوأصبحت خارج حدود عالم مسرح العرائس لن يعرفها أحد ولن تتلقى التصفيق الحاد الذي تتلقاه كل ليلة كبطلة للعرض المسرحي ،ولن تكتب عنها المجلات والجرائد شيئا حول نجوميتها، ومع هذا آثرت أن تصبح صعلوكة متحررة تنعم بكامل حريتهاعلى أن تبقى بطلة على خشبة مسرح وهي مقيدة بخيوط ولا تملك من أمرها وحريتها شئ ، وعلى ضوء النافذة الخافت صديقها القديم وضعت خطة تحررها والخروج إلى حياة حقيقية تمارس فيها حريتها بعيداً عن أدوار البطولة الزائفة التي تفرض عليها قهراً

وفي الليلة التالية أعدت العروسة عُدتها ،قامت بتمزيق الخيوط التي كانت تقيدها من أطرافها، فتحت باب الغرفة متسللة عبر ردهات طويلة ومعتمة ،إجتازت الباب الضخم وحراسه ، تسلقت السور الحديدي المحيط بمبنى المسرح فأصبحت خارجه على ناصية شارع عمومي كبير عند مفترق طرق وسط المدينة حيث الأبنية القديمة والحديثة قد تجاورت وتعملقت حولها،لوحات الإعلانات تصرخ بألوانها وأضواءها النيون ،فتارين المحلات الزجاجية المنتشرة وقد تكدست خلفها البضائع المعروضة، الباعة المتجولين وقد تراصوا واحتلوا مساحات كبيرة من الأرصفة وما تبقى منها إختفى أسفل كتل بشرية تتحرك وتتداخل في إتجاهات عكسية ،الطرقات مختنقة بسيارات هدير محركاتها لا يهدأ ودخان عادمها لا ينقطع ، وقفت العروسة الخشب محملقة ،سرق مشهد المدينة عيناها، أزعجتها المدينة لكنها لم تخشاها ، وفجأة تنبهت بأن حارس أمن مبنى المسرح يعدو في اتجاهها ..يطاردها محاولاً الإمساك بها بعد أن اكتشف هروبها، فما كان منها إلا أن إنطلقت كطائرة حربية تلقت إشارة الإقلاع من على مدرجها، مصممة ألا تستسلم بعد أن خرجت للحرية ولفحها هواوْها.. ظلت تعدو تشق الزحام بجسدها النحيل الصغير .. تحاور وتناور داخل المسافات الضيقة بين السيارات ، تجتاز الشارع تلو الشارع.. تعبر من رصيف لآخر.. وفجأة ..سيارة مُندفعة.. تصدُم العروسه، تطيح بها في الهواء ... فتسقط العروسة على أسفلت الطريق جثة هامده إلا من أنفاس قليلة، كانت تدرك أنها تحتضر ولكن لم يزعجها ذلك قدر ما أزعجها وجهها القديم الذي رأته في وجوه المارة الذين تجمعوا وإلتفوا حولها وهي ملقاه على الأرض، فتخبرهم بصوت متهدج وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة أن الحرية لاتأتي على طبق من ذهب فللحرية ثمن باهظ وتضحيات ضخمة، وهاهي لم تنعم الا بدقائق قليلة من الحرية ولكنها دقائق بعمرها كله ، دقائق إستحقت منها أن تقدم حياتها ثمناً لها ، فتطالبهم ألا يضيع هذا المشهد من ذاكرتهم ، أن يرسموه على جدران بيوتهم ،أن يحرضوا أطفالهم على رسمه في كرساتهم، أن يحفروه على أسوار مدينتهم ،أن يدونوه على قصاصات صغيرة يلقونها من فوق أبراجهم ،أن يطبعوه في ملصقات على مركباتهم ، أن يصبح خبراً يوميا في جرائدهم ، أن يوضع على شواهد مقابرهم ،حتى يستعيدوا يوماً حريتهم، ويصبح لحياتهم معنى ، مثلما أصبح لموتها الأن معنى كبير ، وأنها لم تكن يوماً مجرد عروسة خشب
حسن ارابيسك

إطمئني

Saturday, September 13, 2008

سيدتي
سيدتي
إطمئني سيدتي
ستكونين لي وليس لجن أو إنس أوغير
وسـوف أدخـرلكِ كل ماتبقى لـي مـن العمــر
وأنـزع قلبي من صـدري ليكون الشبكة والمـهر
وألضـم لكِ من أنجمي عُقداً أضعه على أجمل صــدر
وكلمـات الحب في قلبي ستهيم حولكِ كفراشات أو طــير
=====إطمئني سيدتي=====
سأبني لكِ بيتاً دعائمه الصدق وحجراته الطيبه وفِراشه الخير
وأكون ببابك فارسك خادمك الأمين مُلبياً نداءك ومُطيعاً لكل أمر
في صباحك سيدتي سوف توقظك قُبلاتي تسكُب لكِ اللبنَ فوق التمر
وفي ليلك في مخدعك أطلق البخور وأكون تعويذتك من كل سوءٍ أو شر
وأصـير في سـمرك وتـراً ولحنـاً وجوقة تُطربك ونديـماً وسـاقياً وقنينـة خمـر
=======إطمئني سيدتي=======
ستكون أصابعي العشرة جواريكِ لتُخفف التعب عن جسدك من القدم إلى الشعر
وبكفي أمسح جسدك بالطيب والعود وزيت الياسمين والصندل وماء الزهر
وأكون معكِ على فراشك بجانبك أميراً وأسفل جسدكِ حريراً وأعلاه ثور
ومن ضلوعي أبني لكِ جسراً تعبرين فوقه كل ضيق أو وادي أو نهر
ويكون صدري جواد تمتطينه لتجوبي به مشارق ومغارب البر
=====إطمئني سيدتي=====
إذا شاء ربي لن أفترق عنك أبداً سنةً أويوماً أو شهر
وإذا حان الأجل سأدعو ربي أن يجمعنا سوياً قبر
========
=========
===========
==============

وحوي يا وحوي

Friday, August 29, 2008





أعلم ياأخي أنني صادقته منذ أن كنت أحبو على الأرض وأصبحت تربطني به علاقة قوية ،علاقة روحية، علاقه لا تقف عند حد أو مادة أوشكل وأبعاد هندسية، فصداقتي له لم تتأكل مع السنوات التي تأكلت من العمر ، صداقتي له ظلت وستظل باقيه ماحييت، فلن يتغير عنه خاطرى ولن يحيد عنه ناظري ، فصداقتنا يا أخي لا يفك لها عروة، ، تتحسسه روحي قبل أن تتلمسه أصابعي ، تحتويه نفسي قبل أن يحتضنه كف يدي، وصداقتنا كنز ولكنه كنز غير تقليدي فليس بصندوق إكتنز بقطع ذهبية وليس بجره مُلئت بالمجوهرات ، وهو أيضا كنز لا يُهدى ولايُباع ولا يُشترى، بل هو كنز من الذكريات النفيسه والغالية ، عائلتي الصغيرة، أصدقاء الطفولة، بيتنا القديم بمشربياته، شارعنا العتيق ، علاقتي معه علاقة حميمية أحن فيها إلى الزمن الجميل في الدولة المصرية بطيبة ناسها ونظافة شوارعها وأناقة مبانيها ، وقت أن كانت القاهرة من أجمل عواصم العالم ،انه مرجع للذكريات من نوع خاص، فهو ليس بدفتر اقلب فيه أوراقه التي صبغها الزمن بصفرته العجوز الكئيبه، أو البوم للصور القديمة المتهالكه أو صندوق خشبي يحمل بقايا أيام ولت وانتهت ،إنه مرجع لذكريات ليس لي عليها بسلطان فعندما تفرد أجنحتها لتحوم في سمائي أوتطلق أشرعتها لتمخُر عباب أبحري، أتركها تفعل بالقلب ما تفعل تؤلمه بطلف وبحب، فيئن فيطلق أهاته وزفراته ...أاااااااااه ..وحوي ياوحوي

أصيل هو بهيكله الصفيحي القوي المتلاحم في تلاحم أولاد البلد قديماً، جميل هو بشرائح الزجاج الملون والمعشق به، متلألاً هو بضياء شموعه النحيلة الجميلة عندما ترقص شعلتها فوق ذوبان هادئ يحمل بعضً من رائحة الشهر المبارك " فانوس رمضان " كنا نجتمع من أجله صغاراً في شهر رمضان كل منا يحمل فانوسه في الوقت الممتد من بعد الإفطار حتى السحور ، نمشي سويا فرحين مهللين مرددين "وحوي يا وحوي إلا أن اليوم تنتابني الحسرة كلما تجولت في شوارع المحروسة في هذا الشهر الكريم فتراثنا الأصيل تم إختراقه وإستباحته من قبل جحافل وفيالق إجتاحته بأعداد هائلة من الفوانيس المسخ البلاستيك المستورده الباردة الروح ، فوانيس مسخ تسللت إلينا منذ سنوات طويلة على إستحياء وبإعداد قليلة ثم ما لبست أن تمكنت وشنت هجومها بضراوة وانتشرت كمرض خبيث في جسد السوق المصري الرمضاني، إجتاحت تراثنا كما اجتاحت جيوش التتار البلاد الإسلامية قديماً ماعدا مصر المحروسة التي دحرتهم وردتهم خائبين بفضل جيش من أبنائها تحت راية قائدهم المملوكي السلطان سيف الدين قطز ، ولكن شتان فمصر المحروسة اليوم تغُط في نوم عميق ، ربنا يرحمك ياقطز ويبشبش الطوبه اللي تحت راسك ..وحوي يا وحوي

لقد أصابوا صديقي " فانوس رمضان " في مقتل مثلما أصابونا في اشياء أخرى كثيرة وبدلوها تبديلاً، السمن البلدي بالسمن الصناعي واللبن الطبيعي بالألبان المجففة والفراخ البلدي بالفراخ البيضه ومشروباتنا الجميله الطبيعية من الخروب والتمرهندي والكركديه والعرقسوس بمشروبات غازية ..إنهم يفسدون ذوقنا وأذواق أفلاذ أكبادنا كما أفسدوا كل شئ حولنا ، لهذا أعلم يا أخي أنني أكن كل الاحترام والتقدير لبعض الباعة الذين يخصصون مساحة لديهم في حوانيتهم لعرض فانوس مصر المحروسة ليبتاعه من ظل على أصالته وسقى أطفاله جماليات الفن القديم بخاماته وملمسها وألوانها ، فكم صرخت في جمعيات إحياء التراث " يانااااس ..ياهوووو.. "إن تراثنا يتوارى يندثر شيئاً فشيئاً ، أصبحت مهنة صناعة الفوانيس في خطر وأصبح العاملين فيه يُعدوا على أصابع اليد، ولكن جمعيات إحياء التراث لا حيلة لها فليس هناك قانون يمنع ذلك..أو بالاصح لأن القانون ليس به وحوي يا وحوي

أاااااه يا أخي لو نصبوني سلطاناً اليوم فأصدر فرمانا اليوم قبل غد بسحب كل تلك الفوانيس المسخ من الأسواق وفرمانا أخر بعدم إستيرادها وكل من يخالف هذا يُعلق ويُشنق على باب زويلة على مسمع ومرئ من كل أهل المحروسة حتى يصبح عبره لكل من تُسول له نفسه بالتعدي على تراثنا وأفساد جمالياته ، والحاضر يعلن الغايب... وحوي يا وحوي

طع 100

Tuesday, August 5, 2008



طـع 100

اعلم ياأخي أنني في حلي وترحالي وأسفاري السريعة لبعض الديار العربية والأوربية لم يصادفني من تُباري معشوقتي في حسنها وقوامها وريحها الطيب ومذاقها حتى تراودني عن نفسي ، وأعلم أيضا ياأخي أني قرأت كثيراً في كتب سير العشق والحب والصبابة عن أحوال قدماء العاشقين، وكنت أستغرب أفعال العاشق منهم عن تغير أحواله لمجرد أن يلج خيال المعشوق في خاطره أوحتى سماع حروف اسمه او النزول في مضاربه ...فتتغير كيمياء جسده، يكاد أن يقفز قلبه من بين ضلوعه لسرعة وشدة ضرباته أو يذهب في غيبوبة قصيرة أو يهيم على وجهه يشكي حاله لطوب الأرض ويصبح ذكر محبوبته على كل لسان وقتها فقط تلعنه هي وتنعته بإبن المفضوحة وتتبدل هيئته من أملح أكلح إلى أشعث أغبر..ساعتها تكون أمه داعيه عليه... تلك كانت صورة من صور كثيرة في الزمن القديم للعاشقين، أما حالي أنا ياأخي فحدث ولا حرج عن غرامي بفاتنتي ،فلو شاء المولى لي أن أمر بديارها بأي مطعم من مطاعم الفول والطعمية المنتشرة على أرض المحروسة تغازلني رائحة أقراص الطعمية السخنة فتدغدغ شهيتي وتسلب من لعابي إراداته ، لأجد نفسي مُسير ولست مُخير ، واقفا على عتبه مطعم الفول والطعمية متابعا دقائق مولدها ، تقفز أقراص الطعمية وهي مجرد عجينة خضراء لينة من بين كفي صانع الطعمية في وعاء الزيت المغلي فوق الموقد المشتعل لتُحدث نغماً جميلاً تش..تش فتتحول لحوريات تسبح في بحيرة مقدسة أستمر في متابعتها إشاهد تدرج تحولها من حوريات خُضر أبكار إلى شموس تتلألأ وسط بحيرة ينتشلها المصري القديم "عم طع" أي عامل الطعمية باللغة المصرية القديمة ووسط حشد من الناس يتم زفها إلى في قرطاس ورقي ، فلا يطاوعني الصبر على التقدم خطوة واحدة لإستكمال طريقي نحو مبتغاي كيف ..؟ومبتغاي بين يدي، فتقتحم أصابعي فوهة القرطاس الورقي ... تخترقه.. تتدلى.. تقتطف أول قطفة ... تتحسس قرص الطعمية كما تتحسس أنامل المحب وجه وجسد محبوبته قبل أن يمطرها بقبلاته ، وبمجرد أن تعبر معشوقتي حافة القرطاس لتطل علي من خلف ستارة هودجها بوجه لفتاة بدوية صبغته الشمس بحراراتها وتوهجها فزادته إشراقا وجمالاً وقد زينت وجهها بوشم جميل ،ووشم وجه معشوقتي كزبرة مجروشة زادت من حسنها ونكهتها ... تلك النكهة الذكية التي تذكرني بالزمن الجميل زمن لم يعرف الأشياء إلا بطبيعتها وفطرتها، فلم تكن النكهات الصناعية عرفت طريقها إليه بعد
ياااااااه...... لنكهتها ومذاقها في رحلة عبورها داخل فمي ...مبتداها بقبلة طويلة وعميقة لها بين شفاهي وإمتصاص رضابها ثم إحتضانها بين فكي بحنان فكي القطة عندما تلتقط صغارها لنقلهم من مكان لأخر ، وعلى سطح لساني من طرفه حتى نهايته تثير نكهتها حاسة التذوق لدي فهي لاتهدأ كإمرأة عارية تثير بأنوثتها ولحمها البض فِراش مخدعها فيداعبها فِراشها قبل أن يداعبها خليلها ، حتى تبلغ أقصى شهوتها ترتعش فتختلط نكهتها بماء لعابي ، فتكتمل النشوة
وأعلم ياأخي أن الشكل الدائري في معشوقتي يستهويني، ففيه تتلاشى نقاط البدايات والنهايات فتُسقط عني الأحساس بالحيز الفكري والمكاني مما يجعلني أسبح في اللا نهائية ، فشكلها الدائري المنبسط ولونها النحاسي يذكرني بعملة مصرية قديمة وجميلة وهي الجنيه الذهب ، اختفى الجنية الذهب وذهب مع من ذهبوا من رجالات عصره أفنديه وبكوات وبشوات اختفى مع عصر بأكمله ولكن لم تختفي أقراص الطعمية ، ظلت صامدة محتفظة ببريقها ونكهتها وشعبيتها وولائها لعامة الشعب .. بنت بلد بصحيح، فهي رفيقة الدرب للفول المدمس، فهما من نسل واحد، حبانا الله بهما على أرض المحروسة رغم محاولات في الأونه الأخيرة لبعض الحاقدين والحاسدين لإقصائهما عنا ورغم خشيتي من إحلال الطعمية الشعبية بالطعمية الذكية إلا أنها ستظل إن شاء الله دائماً وأبداً في صف الشعب فلاحين وعمال فقراء ومساكين

حسن أرابيسك

إسكتش

Tuesday, June 3, 2008



الحدث بينالي الاسكندرية
المكان قاعة العرض
اعمال فنية كثيرة ومتفرقة في أرجاء المكان
لوحات معلقة على الجدران
وجوه كثيرة.. خليط من فنانين تشكيليين،نقاد،أدباء،صحفيين،محبي ومتذوقي الفنون الجميلة.
آتىَ وحيداً..
يتأمل اللوحات المعلقة..
لوحات تطل منها ثقافات مختلفة تقفز خارج اطرها
لوحات ظلت مكانها أبت أن تقفز وأن تطل
لوحات تحمل لغة جديدة وبسيطة
لوحات تحمل أشباه اللغة تبحث عن هواة فك الطلاسم
لوحات جاءت مفتقدة للغة الحوار والتخاطب..جاءت فقط لتصرخ فيك
لوحات تأخذك بعيداً ثم تتركك وحيداًً
ولوحات جاءت تبحث عن هوية
لوحات جاءت تفرض هويتها
لوحات تبحث عن عشاق لها
لوحات تتطمح في أن يؤرخ لها
وما ان إنتهى من قراءة اللوحات.. تطلع إلى الوجوه الحاضرة عله يقابل أصدقاء قدامى لم يلتقِ بهم منذ زمن، وإذ بصوت خافت يهمس خلف إذنه ..هل تبحث عن شئ ما..؟ تسمر مكانه إنتبهت كل حواسه.. تجمعت ..إتحدت من أجل عملية بحث سريعة جداً داخل مخزن الذاكرة لديه
تكرر السؤال عليه..هل تبحث عن شئ ما..؟
صوت ناعم خافت جداً قادر على أن يجعلك ترى صاحبته من قبل أن تراها....معقول..!!.. يستديربكامل جسده مائة وثمانون درجة،فلكل مخزون في الذاكرة زاوية رؤية تتطلب درجة من الاستدارة تتناسب مع حجمه وضخامته، أصبحا وجهاً لوجه ،
أغمض عينيه وفتحهما متحققاً من حالته.. يقظة هي أم حُلم، ودَ لو يُمد يده ويتحسس ملامحها بأصابعه كي يستريح ويتأكد أنها هي بشحمها ولحمها وليست وهماً من أثر شراب بيرة تجرعها قبل أن يأتي فلعبت بعقله..كيف وهو الذي إعتاد على شرب مايفوق ذلك بكثير، وبعد أن إطمئن أنها حقيقة وليست بخيال أو لوحة زيتية أو جدارية مصمته ..
كُنتِ دوماً تعرفين أنني دائم البحث في حياتي.. إن لم تكن خانتك الذاكرة ..!
أطلقت نصف إبتسامة
لم تتغير كثيرا
رفع سبابته راسماً دائرة حول وجهه في الهواء
تقصدين ملامحي أم تقصدين....أنتِ أيضا لم تتغيري كثيراً..
الغريب أننا مازلنا نحمل نفس ملامحنا القديمة..!نعم..ولكن هل تغيرت المشاعر..؟ تبدلت..؟أم ظلت على حالها..؟
رفعت حاجبيها لأعلى وإتسعت حدقة عيناها
هذا سؤال غير مباشر منك.. تود أن تعرف إن كنت أحمل لك شئ في صدري. ؟
خُلقنا على هذ،ا دائماً نحمل أشياءً في صدورنا.. ولكن العجب أننا
نحمل أشياء لغيرنا..حب..كراهية..ود...جفاء.. بر..عرفان.. جحود .. تسامح ..غِل..عهد..وفاء
إذن أنتَ تعترف أنكَ مازلت تحمل لي شيئاً في صدرك..أيهم ياترى؟
هذا صحيح أنا لا أنكر ذلكَ
لا أخفي عليكَ سراً أنا أيضا مازلت أحمل لك شئ في صدري
أتعشم أن يكون خيراً..هل ستُخبريني ؟
ليس قبل أن تخبرني أنت أولاً
لا أنتِ أولاً
إذن ما رأيك أن نُمارس لعُبتنا القديمة في البوح..؟
افرج عن إبتسامة عريضة
كراسة الإسكتش..ياااه أمازلتِ تتذكرينها؟
نعم ألم تكُن لسان حالنا والناطق الرسمي لمشاعرنا من قبلإتفقنا ولكن لابد أن يكون بوحنا في مكان محايد ليس لنا فيه ذكرى سوياً
هذا أفضل لنا ..اتفقنا
وأفترق الإثنان على موعد..
وفي اليوم المحدد لبوحهما تقابلا ، جلسا على مائدة متقابلين كل منهما يمسك بقلمه الرصاص وكراسة الإسكتش..نظرا لبعضهما نظرة طويلة وعميقة وصمت رهيب يصاحبهما إجلالاً لتلك اللحظة ..لحظة يكشف فيها كل منهما عن مشاعره للأخر بعد سنوات مضت على إفتراقهما ، إنكفأ كل منهما على كراسته يرسم ويفتح القفص الصدري لديه ليطلق سراح مشاعره ... لم يمضِ وقت طويل حتى انتهى كل منهما من رسم لوحته.

حسن أرابيسك

عادة

Sunday, May 11, 2008




عادة
إستمرأتها
بين نهايات النهار
وبدايات الليل
تختلي بنفسها
تحتويها جدران دافئة
تنزع عن معصمها سوارها ..قيدها الذهبي
وطوق ذهبي حول رقبتها
تدلى منه جعران مسكنه بين نهديها
ينسلخ عن جسدها ثوب ضيق ..زنزانته وسجانه
تتخلص من كل الحراس الصغار على مفاتن جسدها
تُلقي بهم في الهواء في زوايا متفرقة
تعتق جسدها
تترك له حرية البوح والتعبير الحركي
تنزع من راسها صور وخيالات يوم ثقيل 
وإلتواءات لغة تخلت عن قواعد صرفها
وبرمجة عصرية أثقلت كاهلها
تترك ورائها مخلوقة شمسية تعبة
أحرقتها الشمس في براءتها
إمتصت منها رضاب انوثتها
تجلس أمام لوحتها المسطحة
لوحة مظلمة .. معتمة
إحتوت بين أضلاعها الأربعة
فضاء مظلم ..سحيق
وعالم إفتراضي
تقفز إليه دون خوف
تسبح وسط كائناته الخفيه
عالم خارج
المنطق
والحسابات
والمسافات
والمقاييس
والأزمنة
والأمكنة
والتفاصيل
عالم إفتراضي
تبحث فيه عن كوكبٍ.. جُرمٍيحولها.. يُبدلها من مخلوقة شمسية تعبة
إلى مخلوقة قمرية
تعيش على حلمها بلقاء مخلوق قمري أخر
تعانق نسائمه الطائرة
تستمع معه لأغنية عابرة
تحيا معه في سكينة وسلام
يشاركها دقائقها القليلة
دقائق تقتنصها من ساعات وأيام
قبل أن تُغتصب منها سنوات عمرها
شاءت أم آبت


حسن أرابيسك

حليمة

Thursday, April 10, 2008





نزلت حليمة إلى الشارع بزيها المدرسي ، لم تخلعه عنها بعد عودتها من المدرسة عندما طالبتها امها بشراء بعض أرغفة الخبز ،تمشي حليمة بخطوات صغيرة متجه إلى الفرن وقد أمسكت بإحدى يديها كيس بلاستيك كبير وباليد الأخرى أطبقت بأصابعها الصغيرة في كفها على عملة ورقية فئة الجنية
زحام وطابور طويل من الناس تتعلق أعينهم بنافذة صغيرة للفرن لها قضبان حديدية الكل يتمنى أن يصل اليها يتحسس بركتها وبركة العامل الذي يقف خلفها لبيع الخبز، أصبحت طوابير الخبز مشهداً مالوفاً في شوارع مصر بعد أن تفاقمت أزمة الخبز وأمتدت لتشمل كل أقاليم المحروسة
شقت حليمة بجسدها النحيل الزحام الممتد أمام الفرن، إتخذت موضعاً لها بين تلك الأجسام الضخمة ،بعض الأعيُن المُطلة منها تنظر اليها مُشفقة عليها لضألة جسمها وصُغر سنها، لم تتعدى بعد عشرة أعوام من عمرها، مالت عليها إمرأة عجوز بظهرها المحني... هما يابنتي ملاقوش في البيت عندكم حد كبير يبعتوه يجيب عيش!!.. لم تلتفت حليمة، ورمت نظرة خاطفة لكفها وهو يحتضن الجنية لتطمئن عليه
الزحام في إزدياد مستمر، الناس تتأفف ،سخطهم على الحكومة والنظام لاينقطع ،تتوالى تعليقاتهم الساخرة من أوضاعهم المعيشية الصعبة...عشنا وشفنا بعد ما كنا زمان بنقف طوابير على اللحمة والفراخ يدحدر بينا الحال ونقف طوابير على العيش، ويعقب أخر .. ياعم دول عاوزين الناس تاكل في بعضها ، ترفع سيدة مُسنة كفيها أمام وجهها..حسبي الله ونعم الوكيل فيهم
حليمة تتوق أن ترجع للبيت لتُخرج كراسة الرسم وعُلبة الألوان وترسم موضوع عن النحل كما قالت لها مُعلمتها، سترسم النحل بلونيه الأصفر والأسود ، وخلية النحل وأقراص الشمع سُداسية الشكل، قررت أنها سترسم عسلاً كثيراً لأنها تحب العسل ، وسترسم وروداً كثيرة ليحُط عليها النحل ويمتص رحيقها، هي تحب الورود الحمراء،إذن سترسم ورود حمراء ، تنبهت حليمة للزحام الذي لايتحرك ولكنه لا يهدأ، ومرة اخرى تحسست العملة الورقية براحة كفها الصغير وزادت من إحكام قبضتها عليها
الزحام تتسع رقعته، حليمة تخشى أن يضيع يومها في طابور الخبز، فقد قررت أنها ستلعب اليوم بعروستها وتقوم بدور الطبيبة تكشف عليها وتكتب لها روشتة العلاج مثلما فعلت معها طبيبة المستوصف منذ عدة أيام عندما تعبت وأخذتها إمها للمستوصف ،كانت الطبيبة تكشف عليها وحليمة تراقب كل حركاتها بدقة ترسم في مخيلتها كل تفاصيل المشهد، البالطو الأبيض ،سماعة الكشف التي تلتف حول رقبة الطبيبة،أصابع الطبيبة وهي تتحسس بطنها، قالت حليمة لأمها بعد أن خرجتا من المستشفى.. عارفة ياماما أنا لما أكبر هاطلع دكتورة.....يارب أعيش واشوفك ياحليمة زيها كده دكتورة قد الدنيا
تذكر نفسها أن تستقبل أبوها عند عودته من العمل في أخر النهار بقبلاتها كما إعتادت، تطوق رقبته بذراعيها الصغيرين، تتعلق به.... جبتلي ايه معاك النهارده ؟ ستخبره عن شطارتها اليوم في المدرسة وتردد عليه عبارات الإستحسان التي لاقتها من مُدرسة الحساب
وفجأة.. تعالت الصيحات والأصوات حول حليمة، كانت دلالتها أن عامل الفرن خلف نافذته شرع في بيع الخبز، تدافع الناس بعنف شديد وقد تلاحمت أجسادهم فأصبحوا يشكلون كتلة بشرية واحدة تتدافع للأمام..تهتز.. ترتج .. تارة تجنح لليمين وتارة لليسار، إرتعبت حليمة، إنتفض قلبها الصغير، إرتجف جسدها الضعيف ،أصبحت مثل قارب صغير، هاج وماج البحر من حوله ، فتقاذفته أمواجه العالية الغاضبة في كل الاتجاهات ، وبسرعة شديدة تحول زحام وتدافع الناس حول حليمة إلى سب وشتائم وخناقات ثم إشتباكات بالإيدي والعصي ،تطور الزحام من أجل شراء الخبز للبقاء على قيد الحياة إلى إعصار ضاري يقتلع تلك النبته الصغيرة من جذورها، أصبحت حليمة لاتملك شيئاً من نفسها، أصبحت لا حول لها ولا قوة ، إنزلقت حليمة بجسدها الأخضر النحيل وأختفت أسفل النعال العمياء التي دهستها بكل ضراوة وهي تبكي وتصرخ ..ماما..ماما.. وتصرخ وتبكي .. إلحقيني ياماما..ولكنه صراخ وبُكاء لايُسمع منه شئ فهو أشبه بنحيب آلة ناي وسط ريح صرصراً عاتية حتى تطور الأمر إلى إطلاق نار وسماع دوي الرصاص
وفي حارة حليمة إنتفضت بعض النسوة من مجلسهن أمام بيت يقع في أخر الحارة قمن يخبطن بإيديهن على صدورهن ......ياساتر يارب ، الصنايعية وأسطواتهم أصبحوا خارج الورش على إثر ذلك، وأطل أخرون من نوافذ بيوتهم المطلة على الحارة، الكل يُطالع هؤلاء القادمون في مدخل الحارة....يقتربون منهم ، بعضهم من سُكان الحارة ، يحمل أحدهم بين يديه جسداً صغيراً تراخت كل أطرافه وتدلت في الهواء ..وحينما اقتربوا منهم سألهم اهل الحارة ياساتر يارب ايه الحكاية ؟......قالوا لهم ...ماتت حليمة
حسن أرابيسك -- 30 / 3 /2008

مُستحقاتنا العاطفية

Tuesday, March 25, 2008










لكل منا مُستحقاته العاطفية
مُستحقات يجب أن نحصُل عليها كاملة دون نُقصان
مُستحقاتِنا العاطفية يجب أن نحصل عليها في وقتها وفي آوانها وقبل إنتهاء تاريخ صلاحيتها فهي لاتحتمل التخزين ،نُحبها دائماً طازجة ..فِرش
مُستحقاتِنا العاطفية لا نقف من أجلها في طابور مثل طوابير الخبز المُر
مُستحقاتِنا العاطفية لا نقبل فيها التدليس والتزوير والغش فمن غشنا فليس منا
مُستحقاتِنا العاطفية هي حق مُستحق لنا وليست منح أو هِبات أو مساعدات إنسانية
مُستحقاتِنا العاطفية لانُطالب بها ولا نستجديها ولا نتسولها ونرفضها ونرُدها لو أتت إلينا عن غير طيب خاطر، نُريدها طواعيةً من النفس ومن القلب ومن الجسد كله
مُستحقاتِنا العاطفية هي مُستحقات فورية الدفع لاتحتمل التأجيل أو إعادة جدولتها وسدادها لنا على أقساط
مُستحقاتِنا العاطفية هي زادنا وذوادنا في رحلة عمرنا وكل محطاتها الزمنية ولا فائدة منها أن تأتي إلينا في محطاتنا الأخيرة وقد ذهب عنها طعمها ولونها ورائحتها، نريدها في كل المحطات من أول الخط حتى نهايته
مُستحقاتِنا العاطفية يجب ان نحصل عليها قبل أن تجف حبات العرق ويتوقف القلب عن دقاته ويرحل النبض عن الوريد من ساعة ميلادنا إلى لحظة مماتنا
لنا مُستحقات عاطفية لدى البعض وللبعض مُستحقات لدينا...فهل قمنا بسدادها في أوقاتها..؟

RETURN

Monday, March 3, 2008


قطعت بسيارتي نصف المسافة منطلقة من مدينتي قاصدة مدينة أخرى نمتلك فيها منزلاً أخر ، كنت قد اتخذت قراري بالابتعاد والانفصال عنه، كانت الصور تتوالي في ذهني وتمضي مسرعة موازية لتلال رملية على جانبي الطريق وهي تعدو وتمضي عكس اتجاه سيارتي
الفترة الأخيرة أفتقدنا فيها لأشياء كثيرة بيننا وتبدلت أشياء ، فحل الجدل والشجار والصراخ محل الكلمات والمشاعر الدافئة، وعلى أثر رجفة بسيطة من مقود السيارة انتفض جسدي كله وتنبهت للطريق لكنني سرعان ما تذكرت إنتفاضة جسدي وإرتعاشته حينما كانت أنامل أصابعه تلامس راحة كفي لقد إنقطعت أكُفنا حتى عن التواصل أصبحنا غرباء تحت سقف واحد
مازالت سيارتي تطوي الطريق أسفل عجلاتها ،والظلام شرع في نصب خيمته حولي، فبدت الأشجار والنباتات الصحراوية الكبيرة المترامية في أعماق جانبي الطريق وكأنها أشباح ، شعرت ببعض الرهبة تلاحقني ،نفس الرهبة التي كانت تلاحقني منذ أن بدأت الخلافات تدب بيننا والخوف من أن نصبح في يوم ما على مفترق طرق..وقد حدث
كانت تلك المرة الأولي التي يصفعني فيها ، كنت وأنا معه حينما أسمع أن رجلاًُ صفع إمرأة أنظر إلى يديه وأتسال داخلي هل من الممكن أن يأتي يوما وتصفعني هذه اليد ..يد حبيبي وزوجي؟ هل يمكن لهذة اليد الحانية التي طالما طبطبت علي في كل أيامي الصعبة يوم وفاة والدي أخر من تبقى لي من عائلتي فقد عوضني عنه كثيراً وأخبرني وهو يحتضني بين ذراعيه ويده تمسح وتربت على ظهري انه سيكون لي كل شئ في هذه الدنيا وقد كان

أتذكر يده..صفعته.. نعم هي نفس اليد التي احتضنت يدي طوال غيبوبة ظللت فيها عدة أيام بعد عملية جراحية اجريت لي أثر حادث سيارة مروع تعرضت له ظل بجانبي لم يفارقني حتى أفقت على وجهه وعينيه تزرف الدموع خوفاً وحزناً علي،وقتها أخبرته بصوت ضعيف وبأنفاس متقطعه، لا تخشى شيئاً ألم أعاهدك أننا لن نفترق أبداً
أتذكر يده..صفعته.. نعم هي نفس اليد التي كانت تدللني دائما كطفلة صغيرة يحملني بين يديه يطوف بي ارجاء عش الزوجية ، وحين نجلس للطعام يأبى أن تمتد يده الى فمه بالطعام قبل أن يُطعمني أنا أولاً ولايغفل له جفن قبل أن يطمئن أنني استغرقت في النوم بسلام كطفلة صغيرة بين ذراعيه
كنت عندما أسمع عن إمرأة طلقها زوجها أنظر الى شفتيه متسأله داخلي هل من الممكن أن يأتي يوما وتنطق هذة الشفاه بكلمة .. أنتي طالق.. وهو الذي رفض أن يتخلى عني وأعلنها أمام أهله حينما كانوا يرفضون زواجنا لكوني من أسرة بسيطة لكنه تمسك بي ولم يأبى بحرمانه من ثروة ابيه الضخمه وأخبرني أن اجتماعنا وارتباطنا سويا هو الثراء وفي افتراقنا الذي لا يرضاه هو الفقر بعينه
وعندما كان يصل إلى سمعي أن رَجُلاً تزوج على إمراته لكونها لم تنجب له وتحقق له حلم الأبوة يقفز الخوف داخلي .. هل من الممكن أن يحدث مثل هذا معي بعد أن فشل حملي عدة مرات وقد أخبرنا الأطباء ان نسبة حدوث حمل معي لاتزيد عن واحد في المائة ولكنه دائماً ما طمأنني كثيراً ان قلبه وحياته لا يسعان الا لشخص واحدً فقط هو أنا وأنه لن يرضى عني بديلاً حتى لو كان في ذلك حرمانه من عاطفة الأبوة
لكن في الفترة الأخيرة بيننا تبدل حاله معي لم يعد يهتم بي وأصبح غيابه عن المنزل كثيراً وأصبح الشجار بيننا عادة يوميه بسبب اتهامي له بإهمالي وبأنه يعرف إمرأة أخرى دون أي دليل مني على ذلك ولكنه كثيرا ما كان ينفي ذلك وأنه يمر بفترة صعبه في مشاريعه وعلى أثر هذا توترت العلاقة بيننا الى أن تطورت اليوم الي حادثة صفعه لي على وجهي بعد أن اتهمته بالخيانه الصريحة التي اعتبرها اهانه شديدة لذاته وقيمه، وكلمة يرفضها شكلاً وموضوعاً
وفجأة وسط هذا الظلام الذي لا يشقه غير ضوء مصابيح سيارتي الممتد على الطريق ظهرت علامة مرورية بعيدة على يسار الطريق علامة مرورية إرشادية اختيارية لقائدي السيارات بجواز السماح بالاستدارة والعبور للجانب الأخر من الطريق والعودة ان شاءوا ذلك.. لا أدري شعرت وكأن تلك اللوحة الإرشادية وضعت من أجلي ومن أجل تلك اللحظة القدرية وأنها تطالبني و بقوة بالتقييم العادل بعد كل ما استعرضته أمامي من مشاعره الرقيقة نحوي في سنوات قضيناها سويا كالحلم .نعم كانت تلك هي القاعدة وأن ما حدث منه اليوم لم يكن إلا استثناء وأنه ليس من العدل أن أنسى وأنسف القاعدة من أجل الإستثناء
العلامة المرورية أصبحت أكثر وضوحاً ومكان نقطة الاستدارة أصبح أكثر قرباً، شعرت بلحظة لم أشعر بها في حياتي من قبل شعرت بكل الأنظمة داخل عقلي وبكل العاطفة التي يمتلكها قلبي تعمل بسرعة شديدة على اتخاذ قرارسريع قبل أن أصل إلى نقطة الاستدارة ، هل أتجاهل الاستدارة وأكمل طريقي وغضبي من أجل الإستثناء وعدم تقبلي للإهانه ولعدم استعدادي لتقبلها مرة أخرى وبعدما شعرت أنها أحدثت شرخا داخلي ،أم أغفر له واسامحه وأعمل إستدارة ورجوع من أجل القاعدة ..والسنوات الجميلة وعدم نسفها لمجرد صفعة جاءت في لحظة غضب .
ياالله نقطة الاستدارة والرجوع تقترب أكثر وأكثر وبسرعة شديدة...استنفرت كل طاقتي الفكرية والعاطفية..هل أكمل السير والاتجاه للأمام... أم أعمل...

؟؟return






أشياء تأبى السقوط

Friday, January 25, 2008



نزع عنه ملابسه وهو يتمنى أن ينتزع معها أشياء أخرى كثيرة بداخله، وبحركة شبه قتالية من يده أدار مقبض المطر الصناعي ، وقف تحت الماء المتساقط عليه كنصب لجندي مجهول مُنتصباً ًفي الفراغ المُحيط به،جندي تفانى وأعطى الكثير لأشياء كثيرة في حياته للعمل وللحب والعلاقات الإنسانية، يتساقط الماء على جسده ثم يُكمل تساقطه تاركاً جسده مصطحباً معه الكثير من الإرهاق الذهني والبدني ً، فتتساقط معه أشياء كثيرة ولكن تبقى أشياء أخرى تأبى السقوط ، أشياءها..نعم فمازالت أشياءها مُكدسة داخل عُلب ذاكرته وعلى جسده وداخل غرفة نومه،وفي سيارته، وفي مكتبه، أشياء لم يتخلص منها بعد... أشياءها مازالت طازجة لم يزحف عليها الغبار ولم ينسج حولها العنكبوت خيوطه ليُخفيها عنه.. حاول كثيراً أن يتجنب أشياءها..أن لا يعبث بها، لملم بعض منها وكفنها داخل صندوق كرتوني وأحكم إغلاقه بشرائط لاصقة ، ورغم هذا كان يعرف أنه لم ينجح بعد في لملمة أشياءها التي إستشعرها داخله بقوة، كان يدرك أن مشاعره تسبح داخله ضد أشياءها وكان على يقين أيضا أن أشياءها تيار جارف يسوق مشاعره رغماً عنه ليقذف بها في نهاية الأمر على صخرة صلدة من الذكريات، أشياءها تقهره تحوم حوله تلتف حول جسده كأطياف ضبابية.. لاتهدأ عن الحركة والدوران في محاولة منها لاكتشاف ماهية هذا المخلوق الأرضي..تعبث به .. تسخر منه.. وهي ترى غبائه وعناده في محاولة الإمساك بها ..
أشياءها تقتحمه بعنف تتجاوز كل موانعه المصطنعه والطبيعية ، ظل يحاول أن يُلملم تلك العلاقة من داخله ويقذف بها خارج كل أبعاده الروحية والذهنية والجسدية، القى بها في البعد الأول ..فارتدت..فألقاها في البعد الثاني..فارتدت مرة أخرى..ثم أعاد المحاولة فألقاها في البُعد الثالث فارتدت وبأكثر قوة عن ارتدادها الأول والثاني ..،تلفت حوله باحثاً عن أبعاد أخرى ليُلقيها فيها ...فلم يجد.... ولكنه ظل يحاول..ويحاول ، كما ظلت أيضا أشياءها تأبى السقوط
حسن أرابيسك

حق اللجوء

Wednesday, January 2, 2008


ســـــيدتي
تطلبين حق اللجوء لقلبي
قلب تحسبينه وطن
تتخيلينه جنة عالية
قطوفها دانية
وبأنكِ سيدة نسائها
تمنين نفسك بحياة أبدية
وخلود لا يعكر أنهاره شئ
من رواسب وذنوب حياة سابقة

ســـــيدتي
تطلبين حق اللجوء لقلبي
قلب تحسبينه وطن
تظُنين أرضه بكراً
تخلطين ماءه بترابه
فيصير طينً لينً بين أصابعك
تُشكلين منه حضارة جديدة
تٌشيدين فوقها قصور وممالك
تُمارسين فوق عروشها غطرسة ملوكها

ســـــيدتي
تطلبين حق اللجوء لقلبي
قلب تحسبينه وطن
تنتظرين فيه نبياً جديداً
لدين جديد تعتنقيه
دين ليس له رب أونبت
ليست به قائمة محظورات
ورايات خُضر وأصحاب طريقة
دين يندرج في بطاقتك الشخصية

ســـــيدتي
تطلبين حق اللجوء لقلبي
قلب تحسبينه وطن
تتوهمينة مرفأ لسفينتك
سفينة أنهكتها الأسفار
وأتعبتها الأمواج الضاربة
وما أن تستريح ستستبيح
وتُنزل راياتها البيضاء
وترفع رايات القرصنة

ســـــيدتي
تطلبين حق اللجوء لقلبي
قلب تحسبينه وطن
تطمعين في هويته
تستنزفين خيراته
تُبدلين نواميس دساتيره
وتؤسسين حزباً حاكماً
حزب تمتلكين به سلطة أكبر
على كامل خارطته

ســـــيدتي
أخطأت حاستك بأنه سكن
وأخطأ ظنك بأنه وطن
وبأنه خير البقاع