.

.

الحياة على نصل سكين

Sunday, August 22, 2010



على الأرض جلس، إلى الحائط أسند ظهره،صوب الجدارالمقابل تعلق بصره بلوحة زيتية ، بورتريه كبير لها، عينيها نقطة ارتكاز لحدقتي عينيه ، في عينيها نظرة لم يرها من قبل.. قلق وجزع، وكأنها تشعر وتدرك بما ينوي فعله بعد قليل، تحاشى النظر إلى إلى عينيها.. إلى اللوحة ، أشعل سيجارة، يدخنها بشراهه، يحترق تبغها بسرعة شديدة، انتهى منها في وقت قصير جداً، مد يده في جيبه اخرج سكينا صغير، ظل يتأمل السكين يقلبه في يده يمنى ويسرى، وقد إتخذ قرار الانتحار، ظل قرار الانتحار يراوده بعد رحيلها، اليوم إستسلم له، خارت قواه، ضعفت مقاومته، مازال يُقلب السكين في يده ، على سطح نصله اللامع ، يتجلى له ضوء يحمل معه مشهد من الذاكرة ، مشهد عمره خمس سنوات، حدث لم يشاهده ، ولكنهم قصوا عليه ما حدث، وصفوا له الحادث، انقلبت سيارته على الطريق، نزف كثيراً راح في غيبوبة، يرقد جسده على طاولة العمليات، حياته على شفى الموت، يحتاج لكمية كبيرة من الدم، يخفو الضوء على نصل السكين.. إختفى المشهد.
وضع نصل السكين على معصمه حز بحده فوق شرايينه، ضغط برفق وعندما حاول الضغط بقوة، توقف فجأة وبحركة خاطفة من يده رفع السكين عن معصمه الى أعلى ، رمى به جانباً، تراجع عن قطع شريان يده، ....أحمق !....غبي !، أي حماقة كنت سترتكبها الأن...! يحدث نفسه، كيف لم ينتبه، كان على وشك أن يرتكب ، خطيئة كبرى في حقها.
إلى السكين الملقى على الأرض بجانبه إلتفت ، على نصله تجلى له الضوء مرة أخرى ، ليكتمل له بقية المشهد، يوم أن كان بينه وبين الموت خطوات معدودة، مسافة ضيقة، دقائق..ثواني ، لم تكن فكرة تبرعها بدمها له عمل إنساني، بقدر ما كانت رغبة مفاجئة وشديدة منها ، عندما رأته جسداً مسجي على عربه يدفعونها عبر ممرات ضيقة للوصول لغرفة العمليات ، إلتقت عيناها بوجه مُسبل الجفنين ، ودم كثيف يغطي بعض منه ، وجهه لم تراه من قبل، بل رأته لسنين طويلة مضت.. تحدث نفسها.. أين؟ شخص لاتعرفه، بل تعرفه عن قرب .. إحساسها لايخطئ، إنسان لايربطها به شئ ، بل بينهما رباط قوي ومتين ..شعور قوي داخلها يؤكد لها ذلك، شعرت أن شيئاً خفياً اجتاح كل جوارحها، إخترق كل حصون مشاعرها، وكأنها إستعادت عمرها كله بسنواته وأيامه ولياليه في تلك اللحظة من أجله ، قررت أن يسكن دمها جسده ، وكم كانت سعادتها عندما اخبروها ان فصيلة دمها من نفس فصيلة دمه ،أخبرته بكل تلك المشاعر، والأحاسيس عندما تعافى وقدر الله له ان يعيش، وبإكتمال المشهد أمامه إنسحب الضوء مرة أخرى ابتلعه نصل السكين .. ليختفي معه المشهد
كان على وشك أن يرتكب في حقها جٌرم كبير، للتو كان سيفقد عقله ويهدر دمها الغالي والنفيس على الأرض، دم حبيبته الذي يسكن قلبه وجسده وكل شرايينه وأوردته، دم حبيبته الذي وهب له الحياة وقت أن كان الموت منه قريباً جداً باسطاً له يديه مرحباً به، أمسك بالسكين مرة أخرى وخز بسنها طرف إبهامه وخزة صغيرة ، إنبثقت نقطة دم، قرب أصبعه من أنفه يتشمم رائحة دمها الذكية الطاهرة التي تسكنه
لثم بشفتيه نقطة الدم ..نقطة دمها، دمها هو الشئ الحي الباقي له منها بعد رحيلها، نظر إلى اللوحة مرة أخرى.. إلى عيناها، القلق والجزع ذهبا عنهما تبدلا براحة وطمأنينة، قام من مكانه اتجه الى اللوحة، وقف أمامها مباشرة، إقترب من وجهها، قبلها قبلة طويلة


حسن ارابيسك