.

.

أيقونة

Saturday, February 7, 2009











لم تكن تقرأ الغيب... لأنها لاتستطيع
ولم تسعَ وراء العرافات ..وتحضرلهن شيئا من أثرها
ولم تسأل ضاربات الودع... وترمي ببياضها
ولم تستضف قارئات الفنجان ..وتحتسي قهوتها وتقلب فنجانها
دوما تمني نفسها..بأنه يوماً ما
سيسقط عليها من السماء مع شعاع القمر
أوسينبثق أمامها قائماً من أديم الأرض
ولكن عندما طال الأمد
وضاق الصدر ونفد الصبر
ظنته شيئا من الخيال
لامكان له بين خطوط الطول والعرض
لايسكن الا في عقلها وحلمها ودفترها القديم
وفي كتب الحواديت
ألف ليلة وليلة ..والشاطر حسن .. وعلاء الدين
في ليالي المنشدين وحكاوي السير الشعبية
أبوزيد الهلالي..والزناتي خليفة
ولكن
شاشتها المسطحة المعتمة
تبشرها بقدومه الأول
بخلاصها
ببزوغ أيقونته
كانت رؤية أيقونتة
على شاشتها المسطحة
كينبوع تفجر في أرض جدباء
وفاض ماؤه فأحيا الأرض بعد موتها
كانت رؤية أيقونتة
على شاشتها المسطحة
كفيلة بأن ينتفض لها قلبها
من بين ثُبات ورقاد طويل
فيتحرر من بين ضلوعه
انه موسم الهجرة
من منتصف العمر المتبقي لديها بسنواته الباردة
إلى أحضان مدنه الدافئة
إنه أوان الرحيل
من على أطراف حياتها النائية الجافة

إلى قلب حياته ومشاعره الخصبه
ينتفض قلبها
يخبط بجناحيه يحلق أمامها
يخترق شاشتها المسطحه
يعبرها حيث الجانب الأخر من هذا العالم
حيث أيقونته
يحط بجانبها يجاورها
هادئ خاشع مطمئن
وبمحبة المتصوفة
وإخلاص المتعبدة
تقيم طقوسها
تطلق بخورها
فيتم الوصل
كان البوح نهرا ممتدا بين ضفتيهما
ينصت هو.. فيفرج صدرها عما أحبت أن تبوح به
تنصت هي .. فيبوح فتسمع ما تمنت أن تسمعه
من مداد قنينته .. من تدوينات ريشته
تؤمن بكل مايتلوه
تغوص في بحور أشعاره
تتفقه في تعاليم أسفاره
تجمع شتات حروف انفرطت من عقد كلماته
تفك طلاسم رموز تجاورت على هوامش رقوقه
إنه رجلها الذي تمنته دوماً
يملأ دنيتها
سعيدة هي به
عرفته مثقفاً دارساً واعياً
وليس صعلوكا متمدينا متحذلقا
متوافق هو مع عالمها ..دنيتها .. حريتها
متوافق هو مع قلبها ..عقلها .. فكرها
يشجعها..يدفعها إلى الأمام
أحبت فيه إيمانه ببني جنسها
يبجل فطرتها
يحترم عقلها
يعشق أنوثتها
يقدر دورها الثقافي والمهني والإنساني
ينتظر لها دورا أكبر في مجتمعه
يستنكر نظره بني جنسه للمرأة
وأسئلتهم الساذجة
عندما يغرم الرجل منهم بإمرأة
هل ينكحها شرعيا أم عرفيا أم يغتصبها
وأيهن أكثر إشتعالا وسخونة السمراء أم البيضاء
وأيهن أكثر إثارة على الفراش الجاهلة أم المثقفة
وأيهن أكثر قدرة على القيام بأوضاع مختلفة النحيفة أم الممتلئة
اصبح اللقاء حتماً بينهما
فالحلم أصبح قابلا للنفاد
والواقع أكثر قرباً وتحققاًً
اكتفت المرحلة الأولى بينهما وتشبعت
أصبحت المرحلة التالية ملحة وضرورية
فالحب لايمهل محبيه
والشوق لايرحم مريديه
شاشتها المسطحة
تُبشرها بقدومه الثاني
بدنو الأصل
وحلاوة الوصل
أصبح اللقاء حتماً مقضياً
التقى الإثنان
هو أخبرها أنها أجمل إمرأة رأتها عينيه
هي أيضاً رأت وسامته لاتقل عن وسامة عقله
هو أخبرها أنه لايصدق عيناه وأنها الأن بين يديه
لم ينقطع حديثه عن جمالها وأنوثتها
كان إعجابه وحديثه نهرا متدفقا إلى أن
اخبرها انه ممتن لتقنية العلم الحديثة
للشاشة المسطحة التي جمعتهما
وسيكون أكثر إمتناناً لبيت.. سقفه يظللهما
وجدرانه تحتويهما.. وعشرة أيام تحننهما
أخبرها بأن يكتفيا بهذا القدر من الشتات
وأن يلملما ما تبقى من عمرهما
أخبرها برغبته في الإقتران بها
كانت تلك الكلمات كفيلة
بأن تجعل منها أسعد إمرأة في العالم
كانت تلك الكلمات كفيلة
بأن تقنع و تكتفي بهذة اللحظة من عمرها كله
كانت تلك الكلمات كفيلة
بأن تسمع وترى فيها كل ماتمنته ليلة عُرسها
ثوب زفافها ، وصيفاتها، باقات الورود فرحة الأهل والأقارب
وأغنيتها المفضلة وهي ترقص على أنغامها بين ذراعيه
زغاريد صديقاتها، تهنئة المدعويين، دقات الدفوف
ولكنه
في نفس اللحظة التي أقام لها الأفراح والليالي الملاح
وبنى لها فيها قصراً جميلاً عاليا
إذ به يهدمه بكل قوته بضربة ساحقة من قبضة إرثه القديم
عندما أخبرها بشرط مسبق مغلف بحياء مُصطنع
بأن تتخلى عن..
عملها.. أنشطتها الثقافية.. استكمال دراسة الدكتوراه
حياتها السابقة
أن تتفرغ له تماما
ً حدقت فيه بنظرة طويلة مستقيمة وحاده
إمتزجت فيها دهشتها بحالة الذهول التي أصابتها
تشوشت الرؤية لديها للحظات قصيرة
من أثر غمامة عابرة أمام عينيها
من أثر غبار الزيف والغش المتصاعد من بين أنقاض قصره
قصره الذي هدمه لحظة إكتمال بنائه
حمدت الله انها كانت خارج قصره
لم تعبر أبوابه .. ولم تتجاوز عتباته
ولم تخطو داخله
ولم تكبل جيدها ومعصمها وحياتها بقيوده الذهبية
كان هذا الشرط .. هذا السوط
كفيلا بأن يجُب ماقبله من مبادئه ونظرياته ومعتقداته
تأرجحت المرئيات واهتزت الثوابت
لتكشف كذب أسطورته .. لتعلن عن حقيقة أيقونته
عن سقوط إله صنعته بيدها وعبدته
عن زيف كتاب مقدس بريشتها خطته
عن وهم خلاصها بين يديه
أدركت أن عليها الأن
أن تخلع عنها رداء رهبانية محبته
أن يرحل قلبها خارج أسوار دير دعائمه باطلة
أن ترتد روحها عن عشق اعتنقته بسذاجة مفرطة
شعرت بجسدها
يرتجف
يستنكر
يرفض
أصبحت الرؤية واضحة
شعرت براحة كبيرة
إستعادت نفسها تماماً
أخرجت جهاز اللاب توب من حقيبتها
قامت بتشغيله
أجرت عملية سريعة
سألها بدهشة..ماذا تفعلين
أخبرته أنها عملت
delete
لأيقونته من على شاشتها المسطحة
همت بالإنصراف
صرخ فيها.. وأنا ..أنا
أخبرته دون أن تلتفت إليه
أنت..أنت مجرد أيقونة
مسحتها من حياتي
قبل أن امسحها من على شاشتي المسطحة












حسن أرابيسك