.

.

وحوي يا وحوي

Friday, August 29, 2008





أعلم ياأخي أنني صادقته منذ أن كنت أحبو على الأرض وأصبحت تربطني به علاقة قوية ،علاقة روحية، علاقه لا تقف عند حد أو مادة أوشكل وأبعاد هندسية، فصداقتي له لم تتأكل مع السنوات التي تأكلت من العمر ، صداقتي له ظلت وستظل باقيه ماحييت، فلن يتغير عنه خاطرى ولن يحيد عنه ناظري ، فصداقتنا يا أخي لا يفك لها عروة، ، تتحسسه روحي قبل أن تتلمسه أصابعي ، تحتويه نفسي قبل أن يحتضنه كف يدي، وصداقتنا كنز ولكنه كنز غير تقليدي فليس بصندوق إكتنز بقطع ذهبية وليس بجره مُلئت بالمجوهرات ، وهو أيضا كنز لا يُهدى ولايُباع ولا يُشترى، بل هو كنز من الذكريات النفيسه والغالية ، عائلتي الصغيرة، أصدقاء الطفولة، بيتنا القديم بمشربياته، شارعنا العتيق ، علاقتي معه علاقة حميمية أحن فيها إلى الزمن الجميل في الدولة المصرية بطيبة ناسها ونظافة شوارعها وأناقة مبانيها ، وقت أن كانت القاهرة من أجمل عواصم العالم ،انه مرجع للذكريات من نوع خاص، فهو ليس بدفتر اقلب فيه أوراقه التي صبغها الزمن بصفرته العجوز الكئيبه، أو البوم للصور القديمة المتهالكه أو صندوق خشبي يحمل بقايا أيام ولت وانتهت ،إنه مرجع لذكريات ليس لي عليها بسلطان فعندما تفرد أجنحتها لتحوم في سمائي أوتطلق أشرعتها لتمخُر عباب أبحري، أتركها تفعل بالقلب ما تفعل تؤلمه بطلف وبحب، فيئن فيطلق أهاته وزفراته ...أاااااااااه ..وحوي ياوحوي

أصيل هو بهيكله الصفيحي القوي المتلاحم في تلاحم أولاد البلد قديماً، جميل هو بشرائح الزجاج الملون والمعشق به، متلألاً هو بضياء شموعه النحيلة الجميلة عندما ترقص شعلتها فوق ذوبان هادئ يحمل بعضً من رائحة الشهر المبارك " فانوس رمضان " كنا نجتمع من أجله صغاراً في شهر رمضان كل منا يحمل فانوسه في الوقت الممتد من بعد الإفطار حتى السحور ، نمشي سويا فرحين مهللين مرددين "وحوي يا وحوي إلا أن اليوم تنتابني الحسرة كلما تجولت في شوارع المحروسة في هذا الشهر الكريم فتراثنا الأصيل تم إختراقه وإستباحته من قبل جحافل وفيالق إجتاحته بأعداد هائلة من الفوانيس المسخ البلاستيك المستورده الباردة الروح ، فوانيس مسخ تسللت إلينا منذ سنوات طويلة على إستحياء وبإعداد قليلة ثم ما لبست أن تمكنت وشنت هجومها بضراوة وانتشرت كمرض خبيث في جسد السوق المصري الرمضاني، إجتاحت تراثنا كما اجتاحت جيوش التتار البلاد الإسلامية قديماً ماعدا مصر المحروسة التي دحرتهم وردتهم خائبين بفضل جيش من أبنائها تحت راية قائدهم المملوكي السلطان سيف الدين قطز ، ولكن شتان فمصر المحروسة اليوم تغُط في نوم عميق ، ربنا يرحمك ياقطز ويبشبش الطوبه اللي تحت راسك ..وحوي يا وحوي

لقد أصابوا صديقي " فانوس رمضان " في مقتل مثلما أصابونا في اشياء أخرى كثيرة وبدلوها تبديلاً، السمن البلدي بالسمن الصناعي واللبن الطبيعي بالألبان المجففة والفراخ البلدي بالفراخ البيضه ومشروباتنا الجميله الطبيعية من الخروب والتمرهندي والكركديه والعرقسوس بمشروبات غازية ..إنهم يفسدون ذوقنا وأذواق أفلاذ أكبادنا كما أفسدوا كل شئ حولنا ، لهذا أعلم يا أخي أنني أكن كل الاحترام والتقدير لبعض الباعة الذين يخصصون مساحة لديهم في حوانيتهم لعرض فانوس مصر المحروسة ليبتاعه من ظل على أصالته وسقى أطفاله جماليات الفن القديم بخاماته وملمسها وألوانها ، فكم صرخت في جمعيات إحياء التراث " يانااااس ..ياهوووو.. "إن تراثنا يتوارى يندثر شيئاً فشيئاً ، أصبحت مهنة صناعة الفوانيس في خطر وأصبح العاملين فيه يُعدوا على أصابع اليد، ولكن جمعيات إحياء التراث لا حيلة لها فليس هناك قانون يمنع ذلك..أو بالاصح لأن القانون ليس به وحوي يا وحوي

أاااااه يا أخي لو نصبوني سلطاناً اليوم فأصدر فرمانا اليوم قبل غد بسحب كل تلك الفوانيس المسخ من الأسواق وفرمانا أخر بعدم إستيرادها وكل من يخالف هذا يُعلق ويُشنق على باب زويلة على مسمع ومرئ من كل أهل المحروسة حتى يصبح عبره لكل من تُسول له نفسه بالتعدي على تراثنا وأفساد جمالياته ، والحاضر يعلن الغايب... وحوي يا وحوي

طع 100

Tuesday, August 5, 2008



طـع 100

اعلم ياأخي أنني في حلي وترحالي وأسفاري السريعة لبعض الديار العربية والأوربية لم يصادفني من تُباري معشوقتي في حسنها وقوامها وريحها الطيب ومذاقها حتى تراودني عن نفسي ، وأعلم أيضا ياأخي أني قرأت كثيراً في كتب سير العشق والحب والصبابة عن أحوال قدماء العاشقين، وكنت أستغرب أفعال العاشق منهم عن تغير أحواله لمجرد أن يلج خيال المعشوق في خاطره أوحتى سماع حروف اسمه او النزول في مضاربه ...فتتغير كيمياء جسده، يكاد أن يقفز قلبه من بين ضلوعه لسرعة وشدة ضرباته أو يذهب في غيبوبة قصيرة أو يهيم على وجهه يشكي حاله لطوب الأرض ويصبح ذكر محبوبته على كل لسان وقتها فقط تلعنه هي وتنعته بإبن المفضوحة وتتبدل هيئته من أملح أكلح إلى أشعث أغبر..ساعتها تكون أمه داعيه عليه... تلك كانت صورة من صور كثيرة في الزمن القديم للعاشقين، أما حالي أنا ياأخي فحدث ولا حرج عن غرامي بفاتنتي ،فلو شاء المولى لي أن أمر بديارها بأي مطعم من مطاعم الفول والطعمية المنتشرة على أرض المحروسة تغازلني رائحة أقراص الطعمية السخنة فتدغدغ شهيتي وتسلب من لعابي إراداته ، لأجد نفسي مُسير ولست مُخير ، واقفا على عتبه مطعم الفول والطعمية متابعا دقائق مولدها ، تقفز أقراص الطعمية وهي مجرد عجينة خضراء لينة من بين كفي صانع الطعمية في وعاء الزيت المغلي فوق الموقد المشتعل لتُحدث نغماً جميلاً تش..تش فتتحول لحوريات تسبح في بحيرة مقدسة أستمر في متابعتها إشاهد تدرج تحولها من حوريات خُضر أبكار إلى شموس تتلألأ وسط بحيرة ينتشلها المصري القديم "عم طع" أي عامل الطعمية باللغة المصرية القديمة ووسط حشد من الناس يتم زفها إلى في قرطاس ورقي ، فلا يطاوعني الصبر على التقدم خطوة واحدة لإستكمال طريقي نحو مبتغاي كيف ..؟ومبتغاي بين يدي، فتقتحم أصابعي فوهة القرطاس الورقي ... تخترقه.. تتدلى.. تقتطف أول قطفة ... تتحسس قرص الطعمية كما تتحسس أنامل المحب وجه وجسد محبوبته قبل أن يمطرها بقبلاته ، وبمجرد أن تعبر معشوقتي حافة القرطاس لتطل علي من خلف ستارة هودجها بوجه لفتاة بدوية صبغته الشمس بحراراتها وتوهجها فزادته إشراقا وجمالاً وقد زينت وجهها بوشم جميل ،ووشم وجه معشوقتي كزبرة مجروشة زادت من حسنها ونكهتها ... تلك النكهة الذكية التي تذكرني بالزمن الجميل زمن لم يعرف الأشياء إلا بطبيعتها وفطرتها، فلم تكن النكهات الصناعية عرفت طريقها إليه بعد
ياااااااه...... لنكهتها ومذاقها في رحلة عبورها داخل فمي ...مبتداها بقبلة طويلة وعميقة لها بين شفاهي وإمتصاص رضابها ثم إحتضانها بين فكي بحنان فكي القطة عندما تلتقط صغارها لنقلهم من مكان لأخر ، وعلى سطح لساني من طرفه حتى نهايته تثير نكهتها حاسة التذوق لدي فهي لاتهدأ كإمرأة عارية تثير بأنوثتها ولحمها البض فِراش مخدعها فيداعبها فِراشها قبل أن يداعبها خليلها ، حتى تبلغ أقصى شهوتها ترتعش فتختلط نكهتها بماء لعابي ، فتكتمل النشوة
وأعلم ياأخي أن الشكل الدائري في معشوقتي يستهويني، ففيه تتلاشى نقاط البدايات والنهايات فتُسقط عني الأحساس بالحيز الفكري والمكاني مما يجعلني أسبح في اللا نهائية ، فشكلها الدائري المنبسط ولونها النحاسي يذكرني بعملة مصرية قديمة وجميلة وهي الجنيه الذهب ، اختفى الجنية الذهب وذهب مع من ذهبوا من رجالات عصره أفنديه وبكوات وبشوات اختفى مع عصر بأكمله ولكن لم تختفي أقراص الطعمية ، ظلت صامدة محتفظة ببريقها ونكهتها وشعبيتها وولائها لعامة الشعب .. بنت بلد بصحيح، فهي رفيقة الدرب للفول المدمس، فهما من نسل واحد، حبانا الله بهما على أرض المحروسة رغم محاولات في الأونه الأخيرة لبعض الحاقدين والحاسدين لإقصائهما عنا ورغم خشيتي من إحلال الطعمية الشعبية بالطعمية الذكية إلا أنها ستظل إن شاء الله دائماً وأبداً في صف الشعب فلاحين وعمال فقراء ومساكين

حسن أرابيسك