.

.

أندلسية

Saturday, October 13, 2012



   أندلســية
      قصة قصيرة بقلم حسن أرابيسك






تعلن شركة مصر للطيران عن وصول رحلتها رقم 754 القادمة من مدريد
لمحها قادمة إلى باب الخروج بعد أن أنهت إجراءات وصولها، تتهادى في خطواتها فتؤكد هذا التباين الواضح بين ملامح وجهها وجسدها، وجه أوربي ينتمي إلى الشمال الأسباني فوق جسد شرقي ينتمي إلى الجنوب الأسباني ( الأندلس ) وماريانا حالها حال الكثير في الجنوب الأسباني ممن يفتخرون بأصولهم العربية، صديقة حميمة وفنانة تشكيلية من مدينة المرية وهي احدى المدن الأسبانية التي حافظت على التراث العربي بأكبر قدر من النقاء الممكن، تربطه بها علاقة متينة بدايتها صدفة جمعته بها منذ عامين 

 في بينالي الفنون التشكيلية الدولي ال50 الذي يقام في مدينة فينسيا ( البندقية)،ظل الود بينهما متصل لاينقطع، استضافته ماريانا مرات عدة في أسبانيا بدعوة منها لزيارة متاحف أسبانيا ومتحف البرادو بصفة خاصة قلعة أعمال عباقرة الفن الأسباني فيلازكيز - موريللو – جويا- وبيكاسو.

 ليس لهذا فقط دعته ماريانا، بل لإحساسها القوي به في حقه ورغبته في التواصل مع جزء أصيل منه هناك، جزء تم استئصاله منه منذ مايقرب من خمسمائه وعشرون عام (الأندلس)
وهي أشهرالمناطق في أسبانيا عند العرب وهي ذات التاريخ الإسلامي،وتضم مالقة والمرية وشقوبية وبلنسية وبلد الويد وقلعة رباح ومدينة سالم وأشبيلية عاصمة المنطقة الأندلسية وقرطبة عاصمة الخلافة الإسلامية وغرناطة أخر المدن الإسلامية سقوطاً في الأندلس وطليطلة وهي غنية عن التعريف لأهميتها الكبرى في التاريخ الإسلامي وكان سقوطها هو بداية سقوط الأندلس .
    يرى في ماريانا نموذج فريد وجميل  للمرأة بأنوثتها وأناقتها وثقافتها وثقتها بنفسها وإيمانها بفنها وأيضاً جمال طباعها وخصالها التي تحمل له نكهة نساء الشرق القديم، لذا لم يستعجب منها أن يراها وهي الأوربية الجميلة لاتخرج الى الشارع مكشوفة الرأس بل تضع فوق رأسها غطاءً حريرياً.. منديلاً للرأس
تقول ماريانا له أن المرأة في الشرق لديها شيئ جميل يضيف لها هالة من الجمال والسحر والوقار .. هو الحجاب الذي أتخذت هي منه غطاء للرأس في ملبسها على الدوام، قرأت ماريانا الكثير عن الشرق القديم وعن مصر بالتحديد وأحبتها فكم كانت سعادتها عندما هاتفها ودعاها لزيارة مصر .
 زارت ماريانا معه أهم المتاحف والأماكن التاريخية والأثرية في مصر،  وفي شارع المعز لدين الله قلب القاهرة الفاطمية تجول معه بين عمائره الإسلامية القديمة العتيقة،مسجد الحاكم بأمر الله، مسجد سليمان أغا السحدار، جامع الأقمر، سبيل وكُتاب عبدالرحمن كتخدا، قصر الأمير بشتاك، مدرسة ومسجد السلطان كامل، سبيل محمد علي، مسجد السلطان برقوق، مسجد الناصر محمد، قبة ومدرسة قلاوون، بقايا مدرسة الظاهر بيبرس، بقايا مدرسة الصالح نجم الدين، سبيل وكُتاب خسرو باشا، مسجد ومدرسة الأشرف برسباي، بيت السحيمي، تمشي ماريانا بجواره تأتنس به تتأبط ذراعه تجتاز معه شارع المعز من بدايته حتى نهايته،من باب الفتوح حتى باب زويلة مروراً بمنطقة النحاسين وخان الخليل والصاغة وشارع الموسكي ثم يعبران سوياً شارع الأزهر إلى حي الغورية ليشاهدا عرض رقصة التنورة على أنغام الآلات الشعبية بموسيقاها الصوفية داخل قصر ثقافة الغوريثم يكملان طريقهما إلى الفحامين وزقاق المدق والسكرية، ها هي الأن في قلب الأماكن التي قرأت عنها في روايات نجيب محفوظ المترجمة للأسبانية وتلهفت لرؤيتها، وعند باب زويلة ينتهي بهما امتداد شارع المعز، ثم الخيامية وتحت الربع وباب الوزير وجامع محمد علي والرفاعي وجامع السلطان الحسن، وعلى مقهى الفيشاوي بين رواده ودخان الشيش وكنباته الشرقية وكراسيه وصوره التاريخية المعلقة على جدرانه وصوت النادل وهو يرحب برواد المقهى ويستعجل  طلباتهم، وصوت نقرات خفيفة على أوتار عود يدوزنه صاحبه، قالت له ماريانا وهي تصُب الشاي من إبريق شاي صغير في كوبين أمامهما، كان معك حق حينما رفضت عرضي أن تقيم في جنوب أسبانيا في الأندلس التي تحبها حينها رأيت في إصرار رفضك، وحماس حديثك، ولمعة عينيك عشق عجيب لقاهرتك العتيقة .
    كل ليلة وقبل نومها تفتح ماريانا حقيبة سفرها تضيف لها هدية جديدة ابتاعها أثناء تجوالهما وأهداها إياها منحوتات فرعونية وإسلامية وتحف خشبية مطعمة بالصدف وبعض العبائات المطرزة، كل ليلة يجلسان في  الفناء الداخلي للبيت  بجوار نافورة ماء صغيرة محلاة بقطع الموزاييك الأخضر المتدرج  اللون تراصت حولها نباتات عطرية مختلفة، يجلسان يتسامران يتحدثان ويتحاوران ويتجادلان حول بعض الأعمال الفنية والتقنيات المختلفة والحديثة في الفن التشكيلي،أبدت ماريانا أيضا اعجابها الشديد بعماره بيته وتصميمه الإسلامي وزخارفه ومقتنياته، قالت له في بيتك ترجمة صريحة لعشقك وولهك بالشرق القديم 

 وفي ذات ليلة قالت له وهي تداعبه عليك دين لي يجب أن تسدده الأن، قال مندهشاً.. أي دين .!؟قالت وأنت ضيفي في أسبانيا جلست أمامي ورسمت لك بورتريه وبما أني ضيفتك الأن عليك أن ترسم لوحة لي خلفيتها جزء من بيتك جزء من قاهرتك، لم يمانع وابتسم لها ثم قام وأعدَ كل شيئ حامل الرسم ولوحة كبيرة وفراشي وألوان ثم أعد غليونه  وعبئه بتبغه المفضل بنكهة الشيري فقد احضرت له ماريانا الكثير منه لعلمها بشغفه به، غابت ماريانا قليلاً ثم عادت وقد غطت رأسها ووجها بوشاح شفاف، تمشي في ثقل متأني تتبختر في عباءة  حريرية وقد قبضت بيديها على تلابيب طرفيها ضمتهما على صدرها، عباءة شرقية مطرزة ومحلاه بخيوط ذهبية، عباءة سوداء تشف عن جسدها بتفاصيل تغيب وتعود فتزيده جمالاً وسحراً وهيبة ووقاراً فيبدو جسدها خلف عبائتها كصوفي خلف ستارة خلوته أو كمنحوتة تستعد لأن يرفع عنها غطائها ليشهد لها الجميع بإبداع صانعها، ثم قام هو بدفع أريكة صغيرة إلى ركن خالي من البيت بجوار نافذة من الأرابيسك والزجاج المعشق الملون لتجلس عليها.
اقترب منها وقد عدل قليلاً من وضع جسدها بلمسات خفيفة حانية من أنامله، ثم ضبط إضاءته عليها ثم عاد مكانه ينظر اليها صامتاً  ساكناً في مكانه، طالت نظرته ابتسمت له وقالت ماذا هنالك..!؟ قال لها صدقيني أشعر ويكأنك خرجتي للتو من احدى لوحات كلود مونيه وادوارد مانيه ورينوا، وبول سيزان، قالت له إن كنت تعتقد في خيالك أنني خرجت من إحـدى لوحـات هـؤلاء العباقـرة إلا أننـي هجـرتـها لأسـكن داخـل لوحـاتـك أنــت فهـل تـقبـلنــي،  أومـأ بـرأســـه موافقـاً وقــال لـها مداعبـاً بقليل من اللغة الأسـبانية التي يـعرفها De nada señora  (على الرحب والسعة سيدتي ) ثم شكرها على هذا الإطراء،  أمسك بليتت الألوان أفرغ عليها بعض من الوانه ثم خلط بين لونين منهما ثم ضرب بفرشاته أول  بقعة لونية يفض بها بكارة لوحته البيضاء، ظل مايقرب من ساعتين  لون هنا ولون هناك، خط هنا وخط هناك، كتلة هنا وفراغ هناك ،ضوء هنا وظل هناك، وفي ذات الوقت يتجاذبان أطراف الحديث حول حياة كل منهما  الخاصة وعن الثقافات المختلفة وتأثير الثقافة الإسلامية في أسبانيا،وكان لماريانا في هذا  الشأن رأي موضوعي وصريح قالت له: للثقافة الإسلامية تأثير واضح في  الثقافة الأسبانية، وأعتبر أننا كنا محظوظين، فلم يكن لدينا ثقافة أو حضارة واضحة المعالم، لكن مع وصول المسلمين إلى أسبانيا تركوا بصماتهم في البناء المعماري والفن الإسلامي، وأنها أيضاً متأثرة كثيراً بالعالم الإسلامي وثقافته العريقة .
   يمضي الوقت بهما، تنتقل اللوحة بين ضربات ولمسات فرشاته من طور إلى طور ويعبر  الحديث بهما من زمن إلى زمن، وبين الرسم وبين الحديث وقت ثالث يستقطعانه للراحة، لإحتساء قهوة تركية أعدها على موقد صغير بجانبه، قهوة تركية اختلطت نكهتها ورائحتها بدخان غليونه ودخان سيجارتها قالت له لمن تلك  الموسيقى التي نستمع اليها الأن.. قال هي لموسيقار مصري يدعى عمر خيرت قالت إن موسيقاه رائعة توحي لها برقص الجواري فهل تعلم ياعزيزي بأن الرقص الشرقي هو بقايا رقص الجواري،قال لها وابتسامته تملئ وجهه كم  تمنيت أن أرى جارية من ذاك الزمن وهي ترقص، قالت له لك هذا، أبدى دهشته، قالت لاتندهش لقد تعلمت بعض من ايقاع وخطوات الرقص الشرقي أثناء دراستي  لحركة الجسد ولغته التعبيرية كمرجع لي في لوحات معرضي الأخير جواري الشرق، وقد مارسته مع نفسي أمام مرآتي، ثم قامت من مكانها، حررت عبائتها من قبضتيها فتباعدا طرفيها فتجلى بينهما جسدها العاري ببشرته الناعمة النقية الناصعة البياض كنهار ينسلخ من نهايات ليله، وكأنها تؤكد له مايراه فيها من تباين بين وجه أوربي يحمل جمال وحياء وخجل  المرأة في أوربا القديمة، وجسد شرقي الملامح والتكوين ممتلئاً قليلاً، لماريانا جسد غض بض متوحش جرئ له إغواء يدعوك للاقتراب منه لمداعبته لمضاجعته الآن وليس غداً .
   تستعد ماريانا للرقص تقف في مكانها يتحرك جسدها كله حركات رخوية فتحرك ذراعيها في الهواء لأعلى ولأسفل بشكل لولبي يتزامن مع حركة جسدها وهو يتلوى كأفعى، ثم بخطوات رشيقة محسوبة تتحرك هنا وهناك، تتمايل يميناً ويساراً، تنحني بجزعها تارة للأمام وتارة للخلف، ثم على مشطي قدميها تشب،وتمد رقبتها وتشرئب،وتلف وتدور حول نفسها فتدور معها عبائتها ترتفع لأعلى في شكل أسطواني وكأنها تعيد له مشهد تراثي من رقصة التنورة وتكشف عن مستور جسدها، وقبل أن تكتمل الرقصة تبدل مزاجه وتغير حاله  شارد الذهن  يسافر بعيداً وقريباً ثم يعود بنظراته لتستقر في عينيها المُسهمة نحوه وهي تراقب صمته، تشعر أن صمته الحائر يموج بحب جارف لها يفصح عما يُخالج نفسه من عاطفة توشي بمكنون صدره،ولكنها تغالط نفسها .. ربما نال منه التعب، تتوقف مريانا عن الرقص وتقترح عليه أن يكتفيا اليوم بهذا الحد من السهر والرسم، أثنى على رقصها وقام وأستأذنها وذهب إلى غرفته لينام .

   ألقى بجسده على سريره بعد أن خلع عنه قميصه فأصبح نصفه الأعلى عارياً واضعاً رأسه  بين وسادتين هكذا اعتاد أن ينام  ، وبعد وقت ليس بكثير وهو غير مدرك تماماً لوعيه شعر بشفتين دافئتين تقبله في كتفه وعنقه، بجسد ناعم طري يلامس جسده، بنهدين  يلامسان ظهره ويغوصان فيه، بذراع تحتضنه وتلتف حول خصره وتضمه، بكف رقيق يمسح صدره ، بأصابع تداعب شعر صدره، بساقين تلتفان حول ساقه، بقدم تتمسح في قدمه، وبين يقظته ونومه ظنَ  انه بحلم فحاول أن يغلب حلمه يقظته  حتى لايهرب منه هذا الحلم الجميل، ها هي تزوره وتأتي اليه تعلم مدى شوقه واحتياجه لحنانها في كل لمسة منها كم  يحتاج لهذا الدفء من جسدها كم يشتاق إليها وكم  تشتاق حياته كلها لها قلبه وجسده وبيته وغرفة نومه وسريره، غابت عنه كثيراً أصبحت  الحياة بدونها جافة، وأثناء إستمتاعه  بكل هذا الحنان الذي يحتويه في حلمه إستغرب منها عطرها الذي يشتمه فهو ليس بعطرها الذي اعتاده منها وهي تحيا معه قبل رحيلها أو بعده عندما تزوره في أحلامه، أو في خيال يقظته ،  ليس عطرها بل هو عطرأخر..عطر ماريانا.!.. نعم عطر ماريانا، إستفاق قليلاً، غلبت يقظتة  نومه، زاد يقيـنه بوعيـه عنـدما همـس صـوت مــن تحتضنـه  Te quiero, Te amo  ( أحبك.. أعشقك بالأسبانية )أذن هو ليس بحلم وأن مايحدث في حينه واقع وحقيقة..وقبل أن يتحرك من مكانه، حدث نفسه هل ينتفض من ثباته ويلتفت اليها ويقوم ويلعنها ويطردها من غرفته التي لم  يسمح لأحد أن يدخلها بعد أن رحلت عنه أعز الناس قسراً، أم يترك تلك الجميلة  المتوحشة تفعل به ماتشاء ويوهمها انه مازال نائماً، ويوهم ضميره أنه لا ذنب له في هذا  الأمر.. أم يصبوا اليها ويُكن من الجاهلين ويعتق جسده ويعطيه فرصة  البوح والتمرد والعصيان والثورة على طول سجنه معه ويشاركها ما تفعل ويطلق هو الأخر حمم بركانه ليهدأ ويسكن مثلما كان..سامحك الله ياماريانا، أحس أن نفسه تراوده وتضغط عليه  ليميل إلى هذا الأختيار الاخير ويهجر سنوات عجاف مرت من عمره.
   كاد أن يستسلم لهذا الاختيار وأن يهم بها لكن بحركة عصبية التفت وراءه فرأى ماريانا عارية تماماً وقد تخلصت من عباءتها ومن غطاء رأسها، تنظر إليه وهي  تردد له كلمة احبك مرات عدة بالاسبانية وبالانجليزية وبالعربية، ولكنها رأت الوجوم وعلامات الدهشة والغضب على وجهه اعتذرت منه  أخبرته  كم تحبه وكم انتظرت منه أن يضمها الى صدره ويُقبلها يحتويها بين ذراعيه، ويبوح لها بما أخفى من حب حالت شرقيته ووفائه القديم دون البوح به، فكم حاولت أن تصرح له هي  بحبها في المرات التي زاراها فيها في أسبانيا لكنها كانت تتراجع وتخبر نفسها ربما إعجاب منه ومنها فقط، ولكنها رأت ولمست من حنانه في تلك الأيام ما يفوق  شعورها بهذا الحب، والمرأة عندما تجد هذا الحنان من رجل لاتملك الا أن تحبه وتعشقه  وتبقى في جواره بقية عمرها،  مدت يدها وأمسكت بكفه فسحبها هو على الفور موليا لها  ظهره جالساً على حافة سريره واستسمحها وأشار إليها بالخروج من الغرفة ، لكنها لم  تستسلم لقراره واحتضنته من خلف ظهره تشبثت به وضمته إليها بشدة وبلين، بحب وبشهوة، بحنان وبلهفة، وقد مالت بوجهها على كتفه وحال أهات صدرها وزفرات أنفاسها اللاهثة المتوهجة الحارة تخبره قبل  لسانها بأنها مستعدة أن تكتفي منه بأقل القليل من حبه ومن جسده، قالت له بصوت يتغنج ويتدلل  أنها إمرأته التي يشتهيها جسداً وعقلاً وفكراً وهي التي قضت عمرها عذراء بتول لم تقابل في حياتها رجلاً يستحق قلبها ليشفع له عند جسدها،هو فقط من أحبته هو فقط من استحق هذا القلب وتلك الشفاعه فهو رجلها الذي تمنته من هذه الدنيا بطولها وعرضها ،وبصوت ضعيف تختنق عباراته قالت له أنها تحترم وتقدر فيه وفائه، قالت له إن كان لها منك قلبك فليكن لي جسدك وإن كان لها  منك روحك  فليكن لي منك وجودك ، وان كانت تقترن بك في عالم أخر  فليكن لي أن اقترن  بك في دنياي، استحلفته أن يخلع عنه رداء القديسين وهو معها ولا يكلف نفسه فوق طاقتها، ها هي الأن معه وله دون رجال العالمين تخلع عن حياتها وقلبها وجسدها رداء الرهبنة لتقترن به، حلَ ذراعيها من حول خصره أشار اليها بالخروج مرة أخرى، اتجهت ماريانا نحو الباب بخطوات متئدة برأس تدلت على صدرها وعلى عتبة باب غرفته وقفت برهة رمقته بنظرة طمعاً منها أن يحن قلبه ويلين لها أن يناديها  يحتويها بين ذراعيه ،ولكنه  لم ينطق لم يتحرك لم يلتفت اليها ظلَ جالساً على سريره ، محني بجزعه قليلاً للأمام ، رأسه منكسه لأسفل، نظره ثابت صوب الموضع الذي بين قدميه، وبحركة خاطفة تقدمت اليه ماريانا مرة أخرى رمت بنفسها أمامه على  الأرض  متكئة على ركبتيها،أخذت برأسه بين كفيها تنظر في عينيه وهي تصرخ في وجهه بصوت ذليل يائس هل نسيت  الأندلس.؟ ،ألست عاشق الأندلس وتعلم أنها ارثك الذي ضاع، ألست أنا جزء من هذا الإرث، جزء من عشقك هيا.. هيا أذن خذني بين ذراعيك إسترد ما ضاع منك .. هيا حبيبي ماذا تنتظر، لكنه لم يحرك ساكناً إلا من تنهيدة خرجت تحترق من صدره ثم رفع رأسه لأعلى وهو يتحاشى النظر في عينيها الدامعتين،  نظر إلى سقف الغرفة وهو يحدث نفسه لا..لن يسمح لغيرها بغزو قلبه، لن يسمح لغيرها بدخول غرفة  نومها والنوم على سريرها، لن يسمح لغيرها أن يلامس جسدها جسده، لن يسمح لغيرها بانتهاك قدسيتها، لا لن يستسلم ولن يسقط ،لقد سقطت الأندلس من قبل عندما تخاذل حكامها وانشغلوا عنها بأمور دنياهم وشهواتهم فضعفوا وضعفت الاندلس وسقطت ..لا .. لن يسقط هو  ..ولن تسقط مريانا .. لن تسقط الاندلس مرة  أخرى.
 تمت

 (ملحوظة:  رأي الفنانة التشكيلية في تأثير الحضارة الاسلامية في اسبانيا هو حقيقي وبالحرف الواحد  وذلك للأمانة والأنصاف وليس من خيال أو إدعاء المؤلف أو تحيز كما قد يعتقد البعض لأنه عربي













حسن أرابيسك