.

.

الورقة الأخيرة

Monday, December 1, 2008


في غرفتها
وخلف مكتبها
جلست
فتحت أحد أدراجه
أخرجت منه أجندتها
تقلب فيها صفحاتها
صفحات غاب عنها لونها الأبيض
تحت وطأة وزحام اللون الأسود
لون خواطرها وبوحها وأحزانها
تبحث عن صفحات فارغة
أوراق بيضاء
لم تختلي بها من قبل ليفض بكارتها سن قلمها
فيقذف بمخزون ومكنون الصدر على سطحها
أوراق بيضاء
لم يتلوث نهرها بعد بلون مدادها ..لون همومها
فيذهب عنها نقاءها وصفائها وملائكية هدوءها
أوراق بيضاء
مازالت تسكنها شقشقات النهار
ونفوس نقية وأوكسجين
ولم يحدها أبعاد وسقف وجدار
خلفه شهيق سجين
وبعد جهد جهيد
في البحث والتفتيش
تتعثر في ورقة بيضاء يتيمة
أطرقت برأسها مرددة
ورقة واحدة فقط..!!
ورقة واحدة فقط..!!
إنها لاتكفي بما عندها
مدت يدها
أمسكت بقلم مُنهك ومُتعب
من كثرة وفيض بوحها
من شدة وثُقل كلماتها
من نزيف دائم لحروفها
فتدون...

أجندتي
ماذا أصابكِ
هل فقدت حبكِ لي
هل فقدت رفيقة ايامي
هل فقدت تعاطفك معي


أجندتي
ماذا أصابكِ
ماذا حل بأوراقك البيضاء الناصعة
أين ذهبت وأين أختفت
لم أعهد فيكِ بُخلاً ولا ضيقً ولا تبرمً
هل ضاقت صفحاتك بخواطري
تعلمين جيداً أن خواطري
لاتهوى السكن على أسطح صفحات الأخرين
فبين طياتها يختبئ الفضوليين والمُتلصصين
هل اختنقت سطورك بكلماتي
تعلمين جيداً أن كلماتي
تكره التسكع والنوم على سطور الغرباء والعوام
وأن تحاصر بين الأقواس وعلامات التعجب والإستفهام

أجندتي
أعرف انني
أرهقتك كثيراً ...
وأثقلت عليك كثيراً
وإستبحت لونك الأبيض كثيراً
بمداد قلمي وشدة ألمي
ولكن ماذا عساي أن أفعل
عندما تختنق خواطري
ويشتد بي شبق الفيض والبوح
عندما تختنق خواطري
وتتصارع بين ضرب وطرح
عندما تختنق خواطري
وتتحول الكلمة من حجر إلى صرح

أجندتي
علاقتي بكِ علاقة نفسية وعضوية
علاقة حميمية
لم يكن لغيرك
أن تنكشف عذاباتي وتُفشى أسراري
لم يكن لغيرك
أن تخرج أهاتي وتتعرى أفكاري


أجندتي
حينما أجلس أمامكِ
يتبدل حالي
أحطم أغلال أهاتي
أفك آسر كلماتي
أخرج عن صمتي
أعتلي عرشي
أسترد سلطاني
ولكن عندما تزهدين في خواطري
وتختفي المساحات البيضاء من نواظري
ويتبقى
منكِ ورقة واحدة
أصبح كأي واحدة
تفقد صوت بوحها
يتلوث موضع جرحها
تنفصل عنها روحها
يجف مِدادها
تُعلن حِدادها

أجندتي
أشعُر أنني
محاصرة في بقعة صغيرة
أقترب من نهاية الورقة الأخيرة
على مشارف حدودها الجنوبية
أكاد أن أصاب بحالة جنونية
ماتبقى من لونها الأبيض قليل
لايكفي لراحة البال أو شفي غليل
فمازال لدي الكثير لأطلعك عليه
سأبوح لكي بما حدث لي أمس
وإنتهاك جسدي من مسح ولمس
في غرفتي المظلمة
وانا في سريري نائمة
بين اليقظة والنوم
شعرت بأنفاس ثقيلة
وبشفاه ساخنة
تُقبل جسدي
من منبت رأسي
إلى أخمص قدميّ
شفاه ساخنة
كاد جسدي أن يشتعل ويحترق منها
وفي رحلة عودتها
تبدلت الشفاه
بيد ناعمة
أحسستها
بماء رقراق
ينساب في جدوله
يعرف طريقه جيداً
على خارطة جسدي
ولأنني بين اليقظة والنوم
عرفت أنه بدايات حُلم
ولاأخفيك سراً بمدى متعتي ونشوتي
فتمنيت أن يتغلب نومي على يقظتي
حتى لاينقطع الحُلم
كانت راحة اليد مازالت تمسح جسدي
وقد زادت من قوتها وضغطها
حتى شعرت بها وهي تتوغل فتصل لعرش أنوثتي
فانتفض جسدي في مكانه كبركان
يكاد أن يقذف بحممه دون غضب
هنا فقط أدركت أنني أشتعل ..أحترق بالفعل
فتمنيت أن يطول بي هذا الحلم
حتى نهاية الحريق
حتى تخمد ناره المشتعله
وما أن مددت يدي أتحسس تلك اليد
وهي مازالت على حالها بين جزر ومد
أتحسس هذا الوهم.. .. هذا الحُلم
لامستُها بيدي.. أمسكتُها .. أحكمت بقبضتي عليها
شعرت برغبتها في الإنسحاب والإنفلات
وعدم رغبتها في البقاء والسكون والثبات
هنا تغلبت يقظتي على نومي
زاد وعي .. تشنج جسدي
إنتبهت كل حواسي
هذا ليس بحلم ، هذه يد حقيقية ..أيقنت أنها يد حقيقية
انتفضت في فراشي وأنا في حالة فزع وصراخ ........
عفواً إنتهت المساحة البيضاء في ورقتها الأخيرة

حسن أرابيسك