.

.

المرتدة

Saturday, November 14, 2015
















المرتـــدة
    بقلم حسن أرابيسك


تنتفض في مكانها
تفك قيدها
ترقص فرحا
تهم بالخروج إليه
ولكن فجأة
تباطئت
ترددت
توقفت
لم تعرف صاحبتها سبب توقفها
هل خائفة من شيئ ما.. ؟
هل لا تمتلك الجراءة بعد..؟
هل هي عدم ثقتها بعد في هذا الحب..؟
هل هو غير جدير بها..؟
هل هي عزة نفسها..؟
أم أن الوقت لم يكن مناسباً .. كيف
 وتلك ليلة مميزة
بين ضوء شمعتين
وشاي ساخن في فنجانين
وأريج يفوح من زهرتين
وبقايا حبات المطر عالقة على زجاج ضلفتين
وموسيقى حالمة حوارها بين قيثارتين
فلما لاتخرج له.!
حاولت صاحبتها أن تساعدها في الخروج إليه
أوحت لها أن تلك فرصة جميلة
والفرص الجيدة في الحياة قليلة
والعمر غير مؤتمن
وما تبقى منه قليل
شجعتها
طمأنتها
إستشعرتها
وهي تسجيب لها
 تهم  بالخروج إليه
ولكن ببطئ شديد
تتقدم قليلاً
قليلاً
تتعثر
وكأن الوهن نال منها
ثم تتأخر كثيراً
ترتد
حاولت معها صاحبتها مرة أخرى
حاولت أن تثنيها عن إرتدادها
حاولت دفعها
إقناعها
لم تفلح معها
تعبت
عرفت أنه لا فائدة
وأنه لاسبيل لأخراجها إليه
أيقنت
أنها اتخذت قراراً بالأنسحاب
دون أسباب
والرجوع إلى مكانها
إلى عذابها
حاولت معها محاولة أخيرة
محاولة يائسة
محاولة فاشلة
وهي على حالها
لم يتغير منها شيئ
فقد أبت
واستحكمت
وأستعصت على الخروج إليه
ليس من بين ضلفتي باب
ولكن من بين شفتيها
أستعصت وأبت كلمة ( بحبك ) أن تخرج من بين شفتيها إليه



لم تستطع شفتيها سوى أن ترتعش وتتمتم وكأنها بلغة خفية بحروف غير منطوقة تٌسبح على إيقاع صوفي لدقات قلبها بحبك .. بحبك .. بحبك،وهو مازال جالسا أمامها تعبث أصابعه بوريقات قصيدته الجديدة على طاولة صغيرة تجمعهما في ركن قصي بجانب نافذة زجاجية يطل من خارجها  بدايات ليلة شتوية .

أصدقكك القول

Wednesday, January 1, 2014

قالت له..

اليوم
فتشت بين أوراقي ودفاتري
عثرت على  قصائدك التي كتبتُها  في ولي 
حاولت قراءتها بنفس إحساسي القديم الجميل
ولكني .. فشلت

اليوم
بعثرت حروف الهجاء على طاولتي
حاولت مراراً وتكراراً إلتقاط حروف اسمك
لألضمها جنباً إلى جنب 
ولكني.. فشلت

اليوم
مارست لعُبتي المفضلة 
على هاتفي الخلوي 
حاولت تجميع وتعشيق قطع البازل المبُعثرة
 التي تُكون صورتك
ولكني .. فشلت

اليوم 
أصغيت إلى أصوات تَردد صداها في سمعي
حاولت أن أميز نبرات صوتك
جاهدت أن يصلني منها ولو بضع كلمات
ولو بضع همسات
ولكني.. فشلت

اليوم
دققت في وجوه كثيرة تزاحمت في عيني
 حاولت التعرف على  ملامحك 
بحثت عن عينيك ..عن شفتيك 
عن براءتك ..عن بساطتك
ولكني .. فشلت

اليوم
إجتمع بي الأصدقاء
طال حديثهم عنك
وأنتهى الحديث ومضى الأصدقاء
حاولت أن استرجع حديثهم عنك
ولكني .. فشلت

اليوم
فتحت البوماً للصور 
يضُم ثمانيةأعوام تضمنا معاً
رأيت بين دفتيه مساحات بيضاء خالية  
فأكتشفت أن أجمل سنواتنا سقطت منه 
حاولت العثور عليها
ولكني.. فشلت

اليوم
أمسكت بقميص لك عندي
احتفظت به دوماً في خزانة ملابسي
حاولت أن أشتم منه رائحة عرقك
رائحة كانت تُثيرني كلما وضعته على وجهي
ولكني.. فشلت

اليوم
داعبت يدي بعض من أجزاء جسدي
حاولت أن أسترجع لمسات أناملك
وأنت تمررها على مناطق بعينها 
فتشتعل شهوتي ويتفجر شبقي
ولكني .. فشلت

اليوم
اعتصرت لك شفتاي ونهداي
لتكسر صيام بعادك 
 برشفة من حب ورشفة من حنان
ولكن.. جفَ نهداي وتيبست شفتاي
حاولت مرة أخرى
لكني .. فشلت

اليوم
تذكرت عصفورك الذي أهديته لي
أسرعت إليه ببعض الماء وبعض الحَب
فلم يلتفت إليهما
كان يترنح من سكرات الموت
حاولت إنقاذ حياته
ولكني..فشلت

اليوم
أصدقكك القول
عندما فشلت في كل هذا وذاك
عرفت وتيقنت أنني لم أعد أحبك

حسن أرابيسك

شوية سكر

Tuesday, November 26, 2013

  
على إستحياء يأتي إلينا أحيانا، وكأنه يشعر ويعلم أنه قد جائنا في توقيت غير مناسب،في ظرف صعب، لذلك ترانا لانرحب به كما يليق به وكما ينبغي أن يكون، نعم ننتظره دائماً متلهفين متشوقين له متخيلين روعة مجيئه، ولكن كان ذلك في وقت سابق، وقت أن كنا مستعدين له، مستعدين لهذا الفعل، فعل الفرح، وعِلة ذلك أن لسبب ما في جزء معين من الزمن في حياتنا يدفع الحزن بكل قوته بابنا ليسكن معناً وقتاً من الزمن لانعرف مقداره، ثم لسبب أخر في حياتنا يأتينا الفرح، يعبر عتبة بابنا على إستحياء، ولكنه  يأتي إلينا في نفس توقيت إقامة الحزن الجبرية معنا، وهي مفارقة غريبة وصعبة على الإنسان إجتماع الفرح والحزن داخله في آن واحد، مما يجعلنا في حالة مربكة نفسياً وعاطفياً وإنسانيا وجسدياً، تشعر وقتها ان شفاهك على وشك أن تبتسم ولكنها تتراجع في أخر لحظة فتبتلع ابتسامتك، تزرف عينك دمعة ولكنها دمعة محيرة هل هي دمعة فرح أم دمعة حزن أم الإثنان معاً، حالة غريبة، عايزين نفرح بس مش قادرين، الحزن ساكن جوانا ومرحرح وقد إحتل منا مساحة كبيرة ولم يترك لنقيضة وغريمه الوافد الجديد ( الفرح ) إلا مساحة ضئيلة، عشان كده بيبقىَ الفرح جوانا مخنوق، بنبقىَ مش قادرين نفرح قوي، مش حاسين بطعم الفرح، طعم الفرح متغير، طعم الفرح فيه حاجه ناقصة،  والسبب أيه.. ؟ السبب إن حالة الحزن اللي جوانا وحوالينا خلت الفرح جاي ناقص شوية سكر












حسن أرابيسك

واستسلمت له

Wednesday, October 9, 2013





بين نهايات العقد الثاني
 وبدايات العقد الثالث من عمرها شدَ إنتباهها
 وبرغم وجوده الدائم في حياتها
إلا أنها لم تكن تلتفت إليه أو تعيره إهتمامها
الأن إرتبطت به ارتباطاً وثيقاً
عن وعي منها أو دون وعي
إحتل منها مساحات كبيرة من تفكيرها وإحساسها
شاءت ذلك أم آبت.. لم يكن لها إختيار
وعندما توددت إليه 
وإقتربت منه بشدة عرفته جيداً
إنكشف لها أمره
كشف لها عن وجهه الحقيقي عن أسوأ خصالة
دوماً متعجلاً
ليس من طبعه التمهل والانتظار والتأني والصبر 
أصبحت تخشاه وتخشى عليه 
وبرغم ذلك فهي تلازمه ويلازمها
تلتصق به ويلتصق بها
يرافقها في كل مواقف الحياة الصعبة واللينة
المزعجة والهادئة، المفرحة والمبكية
يلازمها دوماً
لكنه لايتوقف معها عند حادثة أو موقف أو أي شعور
محايد هو.. فلا يهنئها في فرح ولا يواسيها في جرح
سيان عنده دمع فرحها أو دمع حزنها
سيان عنده لحظات نجاحها أو ساعات فشلها
سيان عنده راحة بالها أو ثورة غضبها
تلك العجله الدائمة من أمره والتي أصبحت رهن لها
تخيفها بشكل جنوني 
كم تمنت أن يتمهل قليلاً 
أن يهدأ ويبطئ من إيقاعه 
كم تمنت أن يستجيب لأمرها ويرق لحالها
لكنه لايرق ولايستجيب
 وبين نهايات عقدها الرابع
وبدايات عقدها الخمسين
كان قد احتل من نفسها ومن جسدها الكثير والكثير
يحاصرها باستمرار
يذكرها بوجوده القهري معها في الصباح والمساء
في السهر والنوم
في كل فستان ترتديه
وفي كل مرآة تنظر إليها
كانت في السابق تتحايل على نفسها
وهي تظن أنها تتحايل عليه وتخدعه
ليتمهل قليلاً كي تأخذ أنفاسها
وتهنأ بما تبقى لديها
من بقايا جمالها وشبابها
ولكنها اليوم لن تخدع نفسها
ولن تمنيها بما هو مستحيل
أيقنت أنه لا سبيل لإيقاف قطار العمر
وهو يجري ويمضي بها بأقصى سرعة إلى ما شاء الله.











حسن أرابيسك

أنا والعذاب وهواك

Wednesday, May 29, 2013

 أنا والعذاب وهواك
          قصة قصيرة



تحت سقف حجرتها
وبين جدرانها الصماء
وفوق فراشها البارد
نامت مستلقية على جنبها
وضعت يدها تحت خدها
لاتحرك لها طرف
وكأنها تجمدت على سريرها
كيف له أن يهجرها طيلة هذه المدة
طال غيابه
ولم يبرر أسبابه
يذهب وقتما يذهب
 ويعود وقتما يعود
كيف ترضى لنفسها بهذا العذاب
أما آن لها أن تستريح
من عشق يقتلها ويستبيح
منها كل شيئ
عقلها وقلبها وجسدها وعمرها
أما آن لها الخلاص
من فكر يحطم عقلها
ومن وجد يمزق قلبها
ومن نار تنهش جسدها
ومن أيام تأكل من سنوات عمرها ولا تشبع
طال غيابه 
وطال انتظارها
أصبحت تكره هذا الانتظار
الذي
يُشتتها
يُبددها
يُفتتها
إلى ألاف من قطع الموزاييك المُبعثرة
التي تنتظر  جمعها وتركيبها وتعشيقها 
بين أصابعه التي تعرف سر تجميعها
فيحولها بين يديه الى لوحة فسيفسائية رائعة
ثم يبعثرها مرة أخرى بغيابه المتكرر 
إنه
يفعل بها مايفعل
دون رحمة أو شفقة منه
يقتلها كل يوم ويُحييها
بغيابه عنها
يتركها
وحيدة
ضعيفة
تصارع وحدتها
طال غيابه
ولم يكلمها
لم يطمئنها
أين.. أنتَ..؟
أين ..أنتَ..؟
فما حياتي انا ... ان لم تكن أنت فيها
هل هكذا يفعل الأحباء بمن أحبوهم
هل هذا من فعل العاشقين
أم من فعل الشياطين..
أين .. أنتَ..؟
أين ..أنتَ..؟
ظلت ترددها
وفجأة 
توقفت
إنتبهت
سمعت
صوت مقبض باب حجرة نومها وهو يُفتح
حدثت نفسها.. إني لأجد ريح يوسف
عرفته من خطى قدميه على الأرض 
فخطاه  حانية 
حتى لا توقظها
حتى لاتزعجها
هكذا اعتاد عندما يعود
ويظن أنها نائمة
ولكنها متى عرفت النوم وصاحبته؟
منذ زمن بعيد خاصمت النوم وعادته
وبرغم سكونه وحركته الشديدة الهدوء 
فهي تشعر به وهي مغمضة العينين
دون أن تراه
وهو يتحرك من جانب لأخر داخل الحجرة
يخلع ساعته عن معصمة
يحل ربطة عنقه 
يفك أزرار قميصه
يبدل ملابسه
يتجه الى فراشها
فتسعد
وتفرح
وتطمئن
وهو يستلقي بجانبها
كسفينة تُلقي بمرساها
على مرفأ عمرها المهجور
كقمر يؤنس سماها
في وحشة ليلها المقبور
يحتضنها من الخلف.. يضمها اليه
تشعر بدفئ حرارة جسده  تسري الي جسدها
فتُحييها بعد موتها
يدفس وجهه بين خصلات شعرها

شهيقه وزفيره
يهمسان بأسمها
يسبحان بحبها
بحبك
بحبك
بحبك
يقبلها قبلة ناعمة
قبلة دافئه طويلة
تشم منه عطره
فيعيد لها ربيعها
بعد خريف طويل
وسنوات غافلتها وسقطت من شجرة عمرها
لاتصدق نفسها أنه عاد
هكذا في كل مرة لاتصدق نفسها
هل تقفز من فراشها
فتُلقي بنفسها في حضنه
كطفلة متلهفة لأبيها بعد غيبة
أم تفعل معه كمن تضم ابنها الغائب سنين طوال 
وتنهال عليه بقبلاتها وألف ألف سؤال
تسأله
تعاتبه
لماذا غبت؟
ولماذا طالت غيبتك ؟

لا..لا

لن تفعل معه شيئاً  من هذا 
لقد تَعِبت
وملت
ويئست
تريد ان تستريح

هذه المره

قررت أن  تواجهه
أن توبخه
أن تعنفه
أن تلعنه عشرات المرات
مئات المرات
بل ألاف المرات
ستلعنه بقدر صبرها
وانتظارها 
وعشقها
وعجزها
ستلعنه 
وتسأله الرحيلَ
عن قلبها وعقلها
و فكرها وخيالها
وعينها وسمعها
وروحها وجسدها
ستقول له
 أرحل إلى الأبد
أرفع مرساك وأرحل
عود من حيث جئت
والي أخر نقطة في الكون اذهب
إن شئت
لا أريدك في حياتي
لقد تعبت منكَ
هل  جزائي معك
أنني أحببتك
فهجرتني
وتركتني
وسلبتني
وجردتني
من متعة الوجود معك 
ستقول له 
أرحل الى الأبد
ولا تأتي إلى 
ليلاً أو نهاراً
خفية أو جهاراً
فلن استطيع معك صبراً بعد اليوم
سأفعل ذلك الأن
وأني لقادرة على ذلك
يجب أن أنهي هذا الأمر الأن
الأن وليس غداً
إستدارات بجسدها كله 
واجهته
وقعت عيناها في عينيه
تجمدت نظرتها
 أدركت أنها
لن تستطيع أن تفعل شيئا ًمما قررته 
لن تنطق ببنت شفة مما نوته 
لن تفعل هذا مع من شغفها حباً
وقتلها عشقاً
أدركت أنها غير قادرة على هذا الفعل
فقط هي قادرة 
أن تسامحه.. أن تغفر له
أن تحتضنه .. أن تقبله  
ظلت تحتضنه وهي تقبله بشوق وعنف
تعاتبه بأهات وأنات وبكاء شديد
وكلمات متقطعه.. مختنقة
تقول له
إلى هذا الحد هانت عليك نفسي
وهان عليك عمري
وهان عليك حبي
فتبكي على صدره
ومن فرط بكائها أغمضت عينيها
وعندما هدأت قليلاً فتحتهما مرة أخرى 
وقد اختلط فيهما الدمع بنظرة تعجب ودهشة 
رأت أنها كانت تحتضن وسادتها
وقد بللها دمعها
ظلت تنظر حولها في خيبة أمل ويأس شديد
ثم قامت
جلست على حافة سريرها في مواجهة تؤامتها
مرآة باهتة لخزانة ملابسها
تنظرإلى نفسها 
سنوات الحزن والفراق والحنين
رسمت على وجهها وجسدها لوحة خريفية
غزا الشيب رأسها
وتهدلت شفتاها
ونسجت التجاعيد خطوطها حول عينيها
ونحلت رقبتها
وبرزت عظام كتفيها على جسدها الهزيل 
وترهل صدرها
وعلى الحائط الجانبي نظرت الى برواز معلق
عليه شريط أسود في زاوية منه
برواز يحمل داخله صورته 
نظرت إليه طويلاً وهي تخبره
انه نفس الحلم
الذي يأتيها فيه طيلة عشر سنوات 
منذ أن رحل مبكراً إلى عالم أخر
وخالف عهده ووعده الذي قطعه على نفسه 
بأن يظل معها في كل محطات العمر
حتى نهاية الرحلة 
زوجاً
وحبيباً 
وونيساً 
ورفيقاً
رحل مبكرا
ولم يترك لها حتى ولداً منه يحمل ملامحة
تنظر له كلما اشتاقت إليه
رحل عنها
وهي لاتملك 
سوى انتظار وهمي منها 
وعودة مستحيله منه 
لاتملك منه سوى هذا الحلم
الذي أتعبها وأنهكها
تنهدت تنهيدة طويلة
ثم قامت من مكانها اتجهت الى  خارج حجرتها
اتجهت الى من يشاركها همها ويبوح معها بحزنها 
بيانو خشبي قديم في ركن قصي من البيت كان قد اشتراه لها في بداية زواجهما
وفوق سطح البيانو صورة صغيرة لهما سويا داخل برواز نحاسي عتيق أنيق
جلست على  كرسي البيانو
فتحت غطائه ثم مدت يدها فوق سطح البيانو 
سحبت لفافة تبغ من علبة سجائرها التي اعتادت تدخينها في سنواتها الأخيرة
أشعلت سيجارتها ولم تحررها من بين شفتيها
 الا وقد إحترقت وقاربت على الإنتهاء
 مثلما احترقت منها سنوات عمرها دون أن تدري
 وقاربت هي الأخرى على الإنتهاء
وبأصابع مرتعشة بدأت تلعب على مفاتيح البيانو

تا را را   را
تا را را   را
أنا والعذاب وهواك
عايشين لبعضينا
ترا را
أخرتها ايه وياك..وياك
أخرتها ايه وياك.. وياك
أخرتها ايه ويااااك ياللي انت ناسيني
ياللي انت ناسينى

حسن أرابيسك

أندلسية

Saturday, October 13, 2012



   أندلســية
      قصة قصيرة بقلم حسن أرابيسك






تعلن شركة مصر للطيران عن وصول رحلتها رقم 754 القادمة من مدريد
لمحها قادمة إلى باب الخروج بعد أن أنهت إجراءات وصولها، تتهادى في خطواتها فتؤكد هذا التباين الواضح بين ملامح وجهها وجسدها، وجه أوربي ينتمي إلى الشمال الأسباني فوق جسد شرقي ينتمي إلى الجنوب الأسباني ( الأندلس ) وماريانا حالها حال الكثير في الجنوب الأسباني ممن يفتخرون بأصولهم العربية، صديقة حميمة وفنانة تشكيلية من مدينة المرية وهي احدى المدن الأسبانية التي حافظت على التراث العربي بأكبر قدر من النقاء الممكن، تربطه بها علاقة متينة بدايتها صدفة جمعته بها منذ عامين 

 في بينالي الفنون التشكيلية الدولي ال50 الذي يقام في مدينة فينسيا ( البندقية)،ظل الود بينهما متصل لاينقطع، استضافته ماريانا مرات عدة في أسبانيا بدعوة منها لزيارة متاحف أسبانيا ومتحف البرادو بصفة خاصة قلعة أعمال عباقرة الفن الأسباني فيلازكيز - موريللو – جويا- وبيكاسو.

 ليس لهذا فقط دعته ماريانا، بل لإحساسها القوي به في حقه ورغبته في التواصل مع جزء أصيل منه هناك، جزء تم استئصاله منه منذ مايقرب من خمسمائه وعشرون عام (الأندلس)
وهي أشهرالمناطق في أسبانيا عند العرب وهي ذات التاريخ الإسلامي،وتضم مالقة والمرية وشقوبية وبلنسية وبلد الويد وقلعة رباح ومدينة سالم وأشبيلية عاصمة المنطقة الأندلسية وقرطبة عاصمة الخلافة الإسلامية وغرناطة أخر المدن الإسلامية سقوطاً في الأندلس وطليطلة وهي غنية عن التعريف لأهميتها الكبرى في التاريخ الإسلامي وكان سقوطها هو بداية سقوط الأندلس .
    يرى في ماريانا نموذج فريد وجميل  للمرأة بأنوثتها وأناقتها وثقافتها وثقتها بنفسها وإيمانها بفنها وأيضاً جمال طباعها وخصالها التي تحمل له نكهة نساء الشرق القديم، لذا لم يستعجب منها أن يراها وهي الأوربية الجميلة لاتخرج الى الشارع مكشوفة الرأس بل تضع فوق رأسها غطاءً حريرياً.. منديلاً للرأس
تقول ماريانا له أن المرأة في الشرق لديها شيئ جميل يضيف لها هالة من الجمال والسحر والوقار .. هو الحجاب الذي أتخذت هي منه غطاء للرأس في ملبسها على الدوام، قرأت ماريانا الكثير عن الشرق القديم وعن مصر بالتحديد وأحبتها فكم كانت سعادتها عندما هاتفها ودعاها لزيارة مصر .
 زارت ماريانا معه أهم المتاحف والأماكن التاريخية والأثرية في مصر،  وفي شارع المعز لدين الله قلب القاهرة الفاطمية تجول معه بين عمائره الإسلامية القديمة العتيقة،مسجد الحاكم بأمر الله، مسجد سليمان أغا السحدار، جامع الأقمر، سبيل وكُتاب عبدالرحمن كتخدا، قصر الأمير بشتاك، مدرسة ومسجد السلطان كامل، سبيل محمد علي، مسجد السلطان برقوق، مسجد الناصر محمد، قبة ومدرسة قلاوون، بقايا مدرسة الظاهر بيبرس، بقايا مدرسة الصالح نجم الدين، سبيل وكُتاب خسرو باشا، مسجد ومدرسة الأشرف برسباي، بيت السحيمي، تمشي ماريانا بجواره تأتنس به تتأبط ذراعه تجتاز معه شارع المعز من بدايته حتى نهايته،من باب الفتوح حتى باب زويلة مروراً بمنطقة النحاسين وخان الخليل والصاغة وشارع الموسكي ثم يعبران سوياً شارع الأزهر إلى حي الغورية ليشاهدا عرض رقصة التنورة على أنغام الآلات الشعبية بموسيقاها الصوفية داخل قصر ثقافة الغوريثم يكملان طريقهما إلى الفحامين وزقاق المدق والسكرية، ها هي الأن في قلب الأماكن التي قرأت عنها في روايات نجيب محفوظ المترجمة للأسبانية وتلهفت لرؤيتها، وعند باب زويلة ينتهي بهما امتداد شارع المعز، ثم الخيامية وتحت الربع وباب الوزير وجامع محمد علي والرفاعي وجامع السلطان الحسن، وعلى مقهى الفيشاوي بين رواده ودخان الشيش وكنباته الشرقية وكراسيه وصوره التاريخية المعلقة على جدرانه وصوت النادل وهو يرحب برواد المقهى ويستعجل  طلباتهم، وصوت نقرات خفيفة على أوتار عود يدوزنه صاحبه، قالت له ماريانا وهي تصُب الشاي من إبريق شاي صغير في كوبين أمامهما، كان معك حق حينما رفضت عرضي أن تقيم في جنوب أسبانيا في الأندلس التي تحبها حينها رأيت في إصرار رفضك، وحماس حديثك، ولمعة عينيك عشق عجيب لقاهرتك العتيقة .
    كل ليلة وقبل نومها تفتح ماريانا حقيبة سفرها تضيف لها هدية جديدة ابتاعها أثناء تجوالهما وأهداها إياها منحوتات فرعونية وإسلامية وتحف خشبية مطعمة بالصدف وبعض العبائات المطرزة، كل ليلة يجلسان في  الفناء الداخلي للبيت  بجوار نافورة ماء صغيرة محلاة بقطع الموزاييك الأخضر المتدرج  اللون تراصت حولها نباتات عطرية مختلفة، يجلسان يتسامران يتحدثان ويتحاوران ويتجادلان حول بعض الأعمال الفنية والتقنيات المختلفة والحديثة في الفن التشكيلي،أبدت ماريانا أيضا اعجابها الشديد بعماره بيته وتصميمه الإسلامي وزخارفه ومقتنياته، قالت له في بيتك ترجمة صريحة لعشقك وولهك بالشرق القديم 

 وفي ذات ليلة قالت له وهي تداعبه عليك دين لي يجب أن تسدده الأن، قال مندهشاً.. أي دين .!؟قالت وأنت ضيفي في أسبانيا جلست أمامي ورسمت لك بورتريه وبما أني ضيفتك الأن عليك أن ترسم لوحة لي خلفيتها جزء من بيتك جزء من قاهرتك، لم يمانع وابتسم لها ثم قام وأعدَ كل شيئ حامل الرسم ولوحة كبيرة وفراشي وألوان ثم أعد غليونه  وعبئه بتبغه المفضل بنكهة الشيري فقد احضرت له ماريانا الكثير منه لعلمها بشغفه به، غابت ماريانا قليلاً ثم عادت وقد غطت رأسها ووجها بوشاح شفاف، تمشي في ثقل متأني تتبختر في عباءة  حريرية وقد قبضت بيديها على تلابيب طرفيها ضمتهما على صدرها، عباءة شرقية مطرزة ومحلاه بخيوط ذهبية، عباءة سوداء تشف عن جسدها بتفاصيل تغيب وتعود فتزيده جمالاً وسحراً وهيبة ووقاراً فيبدو جسدها خلف عبائتها كصوفي خلف ستارة خلوته أو كمنحوتة تستعد لأن يرفع عنها غطائها ليشهد لها الجميع بإبداع صانعها، ثم قام هو بدفع أريكة صغيرة إلى ركن خالي من البيت بجوار نافذة من الأرابيسك والزجاج المعشق الملون لتجلس عليها.
اقترب منها وقد عدل قليلاً من وضع جسدها بلمسات خفيفة حانية من أنامله، ثم ضبط إضاءته عليها ثم عاد مكانه ينظر اليها صامتاً  ساكناً في مكانه، طالت نظرته ابتسمت له وقالت ماذا هنالك..!؟ قال لها صدقيني أشعر ويكأنك خرجتي للتو من احدى لوحات كلود مونيه وادوارد مانيه ورينوا، وبول سيزان، قالت له إن كنت تعتقد في خيالك أنني خرجت من إحـدى لوحـات هـؤلاء العباقـرة إلا أننـي هجـرتـها لأسـكن داخـل لوحـاتـك أنــت فهـل تـقبـلنــي،  أومـأ بـرأســـه موافقـاً وقــال لـها مداعبـاً بقليل من اللغة الأسـبانية التي يـعرفها De nada señora  (على الرحب والسعة سيدتي ) ثم شكرها على هذا الإطراء،  أمسك بليتت الألوان أفرغ عليها بعض من الوانه ثم خلط بين لونين منهما ثم ضرب بفرشاته أول  بقعة لونية يفض بها بكارة لوحته البيضاء، ظل مايقرب من ساعتين  لون هنا ولون هناك، خط هنا وخط هناك، كتلة هنا وفراغ هناك ،ضوء هنا وظل هناك، وفي ذات الوقت يتجاذبان أطراف الحديث حول حياة كل منهما  الخاصة وعن الثقافات المختلفة وتأثير الثقافة الإسلامية في أسبانيا،وكان لماريانا في هذا  الشأن رأي موضوعي وصريح قالت له: للثقافة الإسلامية تأثير واضح في  الثقافة الأسبانية، وأعتبر أننا كنا محظوظين، فلم يكن لدينا ثقافة أو حضارة واضحة المعالم، لكن مع وصول المسلمين إلى أسبانيا تركوا بصماتهم في البناء المعماري والفن الإسلامي، وأنها أيضاً متأثرة كثيراً بالعالم الإسلامي وثقافته العريقة .
   يمضي الوقت بهما، تنتقل اللوحة بين ضربات ولمسات فرشاته من طور إلى طور ويعبر  الحديث بهما من زمن إلى زمن، وبين الرسم وبين الحديث وقت ثالث يستقطعانه للراحة، لإحتساء قهوة تركية أعدها على موقد صغير بجانبه، قهوة تركية اختلطت نكهتها ورائحتها بدخان غليونه ودخان سيجارتها قالت له لمن تلك  الموسيقى التي نستمع اليها الأن.. قال هي لموسيقار مصري يدعى عمر خيرت قالت إن موسيقاه رائعة توحي لها برقص الجواري فهل تعلم ياعزيزي بأن الرقص الشرقي هو بقايا رقص الجواري،قال لها وابتسامته تملئ وجهه كم  تمنيت أن أرى جارية من ذاك الزمن وهي ترقص، قالت له لك هذا، أبدى دهشته، قالت لاتندهش لقد تعلمت بعض من ايقاع وخطوات الرقص الشرقي أثناء دراستي  لحركة الجسد ولغته التعبيرية كمرجع لي في لوحات معرضي الأخير جواري الشرق، وقد مارسته مع نفسي أمام مرآتي، ثم قامت من مكانها، حررت عبائتها من قبضتيها فتباعدا طرفيها فتجلى بينهما جسدها العاري ببشرته الناعمة النقية الناصعة البياض كنهار ينسلخ من نهايات ليله، وكأنها تؤكد له مايراه فيها من تباين بين وجه أوربي يحمل جمال وحياء وخجل  المرأة في أوربا القديمة، وجسد شرقي الملامح والتكوين ممتلئاً قليلاً، لماريانا جسد غض بض متوحش جرئ له إغواء يدعوك للاقتراب منه لمداعبته لمضاجعته الآن وليس غداً .
   تستعد ماريانا للرقص تقف في مكانها يتحرك جسدها كله حركات رخوية فتحرك ذراعيها في الهواء لأعلى ولأسفل بشكل لولبي يتزامن مع حركة جسدها وهو يتلوى كأفعى، ثم بخطوات رشيقة محسوبة تتحرك هنا وهناك، تتمايل يميناً ويساراً، تنحني بجزعها تارة للأمام وتارة للخلف، ثم على مشطي قدميها تشب،وتمد رقبتها وتشرئب،وتلف وتدور حول نفسها فتدور معها عبائتها ترتفع لأعلى في شكل أسطواني وكأنها تعيد له مشهد تراثي من رقصة التنورة وتكشف عن مستور جسدها، وقبل أن تكتمل الرقصة تبدل مزاجه وتغير حاله  شارد الذهن  يسافر بعيداً وقريباً ثم يعود بنظراته لتستقر في عينيها المُسهمة نحوه وهي تراقب صمته، تشعر أن صمته الحائر يموج بحب جارف لها يفصح عما يُخالج نفسه من عاطفة توشي بمكنون صدره،ولكنها تغالط نفسها .. ربما نال منه التعب، تتوقف مريانا عن الرقص وتقترح عليه أن يكتفيا اليوم بهذا الحد من السهر والرسم، أثنى على رقصها وقام وأستأذنها وذهب إلى غرفته لينام .

   ألقى بجسده على سريره بعد أن خلع عنه قميصه فأصبح نصفه الأعلى عارياً واضعاً رأسه  بين وسادتين هكذا اعتاد أن ينام  ، وبعد وقت ليس بكثير وهو غير مدرك تماماً لوعيه شعر بشفتين دافئتين تقبله في كتفه وعنقه، بجسد ناعم طري يلامس جسده، بنهدين  يلامسان ظهره ويغوصان فيه، بذراع تحتضنه وتلتف حول خصره وتضمه، بكف رقيق يمسح صدره ، بأصابع تداعب شعر صدره، بساقين تلتفان حول ساقه، بقدم تتمسح في قدمه، وبين يقظته ونومه ظنَ  انه بحلم فحاول أن يغلب حلمه يقظته  حتى لايهرب منه هذا الحلم الجميل، ها هي تزوره وتأتي اليه تعلم مدى شوقه واحتياجه لحنانها في كل لمسة منها كم  يحتاج لهذا الدفء من جسدها كم يشتاق إليها وكم  تشتاق حياته كلها لها قلبه وجسده وبيته وغرفة نومه وسريره، غابت عنه كثيراً أصبحت  الحياة بدونها جافة، وأثناء إستمتاعه  بكل هذا الحنان الذي يحتويه في حلمه إستغرب منها عطرها الذي يشتمه فهو ليس بعطرها الذي اعتاده منها وهي تحيا معه قبل رحيلها أو بعده عندما تزوره في أحلامه، أو في خيال يقظته ،  ليس عطرها بل هو عطرأخر..عطر ماريانا.!.. نعم عطر ماريانا، إستفاق قليلاً، غلبت يقظتة  نومه، زاد يقيـنه بوعيـه عنـدما همـس صـوت مــن تحتضنـه  Te quiero, Te amo  ( أحبك.. أعشقك بالأسبانية )أذن هو ليس بحلم وأن مايحدث في حينه واقع وحقيقة..وقبل أن يتحرك من مكانه، حدث نفسه هل ينتفض من ثباته ويلتفت اليها ويقوم ويلعنها ويطردها من غرفته التي لم  يسمح لأحد أن يدخلها بعد أن رحلت عنه أعز الناس قسراً، أم يترك تلك الجميلة  المتوحشة تفعل به ماتشاء ويوهمها انه مازال نائماً، ويوهم ضميره أنه لا ذنب له في هذا  الأمر.. أم يصبوا اليها ويُكن من الجاهلين ويعتق جسده ويعطيه فرصة  البوح والتمرد والعصيان والثورة على طول سجنه معه ويشاركها ما تفعل ويطلق هو الأخر حمم بركانه ليهدأ ويسكن مثلما كان..سامحك الله ياماريانا، أحس أن نفسه تراوده وتضغط عليه  ليميل إلى هذا الأختيار الاخير ويهجر سنوات عجاف مرت من عمره.
   كاد أن يستسلم لهذا الاختيار وأن يهم بها لكن بحركة عصبية التفت وراءه فرأى ماريانا عارية تماماً وقد تخلصت من عباءتها ومن غطاء رأسها، تنظر إليه وهي  تردد له كلمة احبك مرات عدة بالاسبانية وبالانجليزية وبالعربية، ولكنها رأت الوجوم وعلامات الدهشة والغضب على وجهه اعتذرت منه  أخبرته  كم تحبه وكم انتظرت منه أن يضمها الى صدره ويُقبلها يحتويها بين ذراعيه، ويبوح لها بما أخفى من حب حالت شرقيته ووفائه القديم دون البوح به، فكم حاولت أن تصرح له هي  بحبها في المرات التي زاراها فيها في أسبانيا لكنها كانت تتراجع وتخبر نفسها ربما إعجاب منه ومنها فقط، ولكنها رأت ولمست من حنانه في تلك الأيام ما يفوق  شعورها بهذا الحب، والمرأة عندما تجد هذا الحنان من رجل لاتملك الا أن تحبه وتعشقه  وتبقى في جواره بقية عمرها،  مدت يدها وأمسكت بكفه فسحبها هو على الفور موليا لها  ظهره جالساً على حافة سريره واستسمحها وأشار إليها بالخروج من الغرفة ، لكنها لم  تستسلم لقراره واحتضنته من خلف ظهره تشبثت به وضمته إليها بشدة وبلين، بحب وبشهوة، بحنان وبلهفة، وقد مالت بوجهها على كتفه وحال أهات صدرها وزفرات أنفاسها اللاهثة المتوهجة الحارة تخبره قبل  لسانها بأنها مستعدة أن تكتفي منه بأقل القليل من حبه ومن جسده، قالت له بصوت يتغنج ويتدلل  أنها إمرأته التي يشتهيها جسداً وعقلاً وفكراً وهي التي قضت عمرها عذراء بتول لم تقابل في حياتها رجلاً يستحق قلبها ليشفع له عند جسدها،هو فقط من أحبته هو فقط من استحق هذا القلب وتلك الشفاعه فهو رجلها الذي تمنته من هذه الدنيا بطولها وعرضها ،وبصوت ضعيف تختنق عباراته قالت له أنها تحترم وتقدر فيه وفائه، قالت له إن كان لها منك قلبك فليكن لي جسدك وإن كان لها  منك روحك  فليكن لي منك وجودك ، وان كانت تقترن بك في عالم أخر  فليكن لي أن اقترن  بك في دنياي، استحلفته أن يخلع عنه رداء القديسين وهو معها ولا يكلف نفسه فوق طاقتها، ها هي الأن معه وله دون رجال العالمين تخلع عن حياتها وقلبها وجسدها رداء الرهبنة لتقترن به، حلَ ذراعيها من حول خصره أشار اليها بالخروج مرة أخرى، اتجهت ماريانا نحو الباب بخطوات متئدة برأس تدلت على صدرها وعلى عتبة باب غرفته وقفت برهة رمقته بنظرة طمعاً منها أن يحن قلبه ويلين لها أن يناديها  يحتويها بين ذراعيه ،ولكنه  لم ينطق لم يتحرك لم يلتفت اليها ظلَ جالساً على سريره ، محني بجزعه قليلاً للأمام ، رأسه منكسه لأسفل، نظره ثابت صوب الموضع الذي بين قدميه، وبحركة خاطفة تقدمت اليه ماريانا مرة أخرى رمت بنفسها أمامه على  الأرض  متكئة على ركبتيها،أخذت برأسه بين كفيها تنظر في عينيه وهي تصرخ في وجهه بصوت ذليل يائس هل نسيت  الأندلس.؟ ،ألست عاشق الأندلس وتعلم أنها ارثك الذي ضاع، ألست أنا جزء من هذا الإرث، جزء من عشقك هيا.. هيا أذن خذني بين ذراعيك إسترد ما ضاع منك .. هيا حبيبي ماذا تنتظر، لكنه لم يحرك ساكناً إلا من تنهيدة خرجت تحترق من صدره ثم رفع رأسه لأعلى وهو يتحاشى النظر في عينيها الدامعتين،  نظر إلى سقف الغرفة وهو يحدث نفسه لا..لن يسمح لغيرها بغزو قلبه، لن يسمح لغيرها بدخول غرفة  نومها والنوم على سريرها، لن يسمح لغيرها أن يلامس جسدها جسده، لن يسمح لغيرها بانتهاك قدسيتها، لا لن يستسلم ولن يسقط ،لقد سقطت الأندلس من قبل عندما تخاذل حكامها وانشغلوا عنها بأمور دنياهم وشهواتهم فضعفوا وضعفت الاندلس وسقطت ..لا .. لن يسقط هو  ..ولن تسقط مريانا .. لن تسقط الاندلس مرة  أخرى.
 تمت

 (ملحوظة:  رأي الفنانة التشكيلية في تأثير الحضارة الاسلامية في اسبانيا هو حقيقي وبالحرف الواحد  وذلك للأمانة والأنصاف وليس من خيال أو إدعاء المؤلف أو تحيز كما قد يعتقد البعض لأنه عربي













حسن أرابيسك