.

.

صاحب هذا الضريح مات على العشق

Tuesday, December 8, 2009












قد تنكسر الأيام على صدر التاريخ
وقد تتفتت الجبال على صدر الصحراء
وقد تشيخ النخيل وتركع على صدر الأرض
وقد تُذل الملوك على صدور عروشها
وقد تنحني الهامات وتُطوى الرؤوس على صدورها
ولكن .. على صدر حبيبتي
يحتجب الناموس
وتعتزل الطبيعة قوانينها
على صدر حبيبتي
نهدان
لا يذبُلان
لا يشيخان
لاينحنيان
لاينكسر شموخهما
ولاتُذل عِزتهما
على صدر حبيبتي
نهدان تولد منهما الحياة
ما بين سُرتها ونهديها
مسافات شاسعة
وأنا هنا على هضبة سُرتها
بين ماضي من الأزمنة القديمة
وبين حُلمٍ آتِ
أقيم خيمتي
كرحال كشاف نال منه التعب
بعد أسفار طويلة
مسيرة ألف عام
قادمُ أنا من هناك
من أقصى الجنوب
من على أطراف أصابع قدميها
أحبو
حتى هنا في المنطقة الوسطى
على هضبة سُرتها
خدي الأيمن مُمدد يلتصق بجلدها
يتلذذ بنعومة ملمسه وببرودة طقسه
يغفو لبعض الوقت
أنفاسي تهدأ لتستعيد قوتها
شفتاي تسترخيان قليلاً للراحة
بصري طرفه ممتد هناك بعيداً
حيث نهديها
توأمين من القباب الذهبية تعلو بهما إستدارتهما
في قدسية وشموخ جميل
قمتهما حلمتان نُحاسيتان مخروطتان مدببتان
كطرف لجوسق مئذنة
يعانق الفضاء في إجلال
حلمتان تنتصبان كحارسين في نوبتهما
لردع كل من تسول له نفسه بالإقتراب
وأنا منذ زمن يُراودني
حُلم الإقتراب
حُلم السكن
هناك ما بين نهديها
ما بين نهديها
سكن
ووطن
وعُمر ولت سنواته ولم أعشه
وعُمر بقيت منه أيام تنتظرني
أن أحياها
أن أكتفي بهذا القدر من البُعاد
أن أجاورهما
وأنا منذ زمن يُراودني
حُلم المجاورة
هناك ما بين نهديها
أجاورهما كدروايش مساجد الأولياء
كقرويين بسطاء آتوا من قُرى بعيدة
يجاورون أولياء الله الصالحين
سيدي الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة
أجاورهما كحمام الكنائس
وحراس الفراديس وماء السبيل
نهدان يحتضنان طفولتي وبرائتي
اصبح طفلهما المدلل
أقف أسفلهما أرفع رأسي افتح فاهِي
أنتظر سقوط بعض من قطرات العسل واللبن
نهدان يُفطراني لبناً وعسلاً في صباحي
نهدان يُطعماني حناناً ودفئاً في مسائي
نهدان
أداعبهما
أصادقهما
أتسلقهما
كعاشق محب
وليس كغازي فاجر
نهدان
أعتصر حلمتيهما بين شفتاي
طمعاً في نبيذ يُسكرني أملئ منه قواريري
طمعاً في قمح يكفيني أصنع منه خبزي
طمعاً في زيت يشفيني أملئ منه قنديلي
ما بين سُرتها ونهديها
مسافات شاسعة
علي أن أعبرها
فأسفل سُرتها
سفح كبير
وصحراء ممتده
وفوهات لمسامات تنفث ناراً قد تُحرقني
وأودية كثيرة تسكُنها قبائل من الجن
وقد أضيع فيها وأتوه
وأصبح واحداً من المجاذيب
و كثبان من الشحم تبتلع أي مغامر خدعته جراءته
وأوهمته انه سيجتازها بسلام
ويمر مرور الكرام
ما بين سُرتها ونهديها
مسافات شاسعة
علي أن أعبر نهاراتها
دون غمامة أستظل بها من وهج شموسها
وأمنيات الحاسدين لوئد كفاحي
على أن أعبر لياليها
دون قمراً يصحبني يؤنسني في عتمة دروبها
يجنبني كمائن المتربصين بدنو نجاحي
علي أن أصل إلى نهديها
دون أن أستعين بعلوم الأولين
ونبؤات العرافين وفناجين القهوة
علي أن أصل إلى نهديها
دون حجاب وسحر
وعمل سفلي
علي أن أصل إلى نهديها
دون خريطة
ومخطوطات أندلسية
وحسابات اكاديمية
وتكتيكات عسكرية
وقصيدة عمودية
وأنا الذي قد قررت أن أعبرها في قصيدة نثرية
وأستعيد على جلدها الناعم خربشاتي الطفولية
ما بين سُرتها ونهديها
مسافات شاسعة
والأسفار بينهما
مشقة وتعب
مغامرة وانتحار
وأنا الذي قد قررت أن أغامر دون أي حسابات
أن أجتاز الصعاب..أن أقطع المسافات
أعرف أني لست من أولي العزم
فأنا لا أملك
سفينة نوح
ولا عصا موسى
ولامصباح علاء الدين
ولا جراءة سندباد
ولاحصان الزناتي خليفة
ولا طيش عنتره العبسي
ولا عبقرية عمر
ولافروسية قطز
ولادهاء رومل
ولا عقيدة جندي أكتوبر
ولا فتونة فتوات نجيب محفوظ
ولكن
لدي خبرة الترحال
وقدر من الاحتمال
وشئ من جلد الرجال
وكنز من الأمال
وأنا على يقين من نجاحي
نعم على يقين من نجاحي
فلا نبوءة خبرتني بذلك
ولا كتاب مقدس أوصاني بذلك
ولكن
فقط
لأنني أشتهي الحياة
من نهديها
ما بين سُرتها ونهديها
مسافات شاسعة
قررت أن أعبرها
في ليلتي هذه
سأطوي خيمتي
وأتلحف بعبأتي
وأضع على رأسي عِمامتي
وأطلق لحيتي
أكون في وقار شيخ كبير مطمئن
وصوفي تائب عاد لخالقه ويحن
مسافات شاسعة
قررت أن أعبرها
وأنا لا أخشى من موتي وهلاكي
فأنا على وضوء وطهاره
وعلى جبيني ألف أماره
وإن مُت
فهناك مابين نهديها
دولة عشق
وبساتين عشق
وأضرحة عشق
وضريح يحمل إسمي كُتب عليه
صاحب هذا الضريح مات على العشق ... الفاتحة

حسن أرابيسك